آراء

سينما الأجزاء وثقافة المستهلك

محمود غريب

يفرض العمل السينمائي نفسه في سوق مزدحم بالوجوه الفنية التي تراهن على عدم تكرار نفسها، وهي الميزة التي تجعل العمل الفني فريدًا حتى وإن تكررت الأفكار والقصص؛ ذلك أن التحدي يكمن في جودة التمثيل وبقية عناصر العمل الفني، سواء الإخراج أو التنفيذ. ولذلك، فإن الجمهور ساعد في ريادة أفلام سينمائية يصطلح على تسميتها «سينما الأجزاء»؛ تلك التي تطرح أجزاء مختلفة للعمل الواحدة.

ظاهرة “سينما الإجزاء” ليست جديدة على المشهد الفني، فقد عرفها الجمهور العربي والأجنبي على حد سواء، ولم يلحظ الجمهور الظاهرة بدقة ملاحظة النقاد؛ بسبب الجودة التي تجعل الجزء الآخر متفردة بجودته، على غرار الثلاثية العربية المصرية الشهيرة “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية” التي ترجمت إلى ثلاثة أفلام من نوعية الأبيض والأسود؛ حاز كل فيلم فيها مكانة فنية فريدة تعتبر من كنوز الزمن الجميل.

ثمة عوامل أساسية جعلت من الثلاثية متفرقات متفردات رغم منبعها الواحد، أول العناصر هو الكتابة بالعودة إلى واحد من أفضل عباقرة الأدب المصري “نجيب محفوظ”؛ وبالتالي، فإن عنصر الكتابة يظل صاحب الجودة الأولى.

ثاني العناصر هو الأداء التمثيلي الرائع خاصة للبطل المشترك يحيى شاهين. ثالث العوامل التي تجعل أي سلسلة أجزاء ناجحة هو الرهان على إضافة عنصر تشويقي جديد؛ ليس فقط على سير الأحداث، ولكن أيضًا تقنيات التصوير. فإذا كانت التجارب السينمائية الأولية قد نجحت في هذا الاختبار، فأولى بالسينما الحديثة أن تكون أكثر ابتكارًا وتقدمًا؛ مستفيدة بالتطور التقني والتكنولوجي لإضافة تقنيات تصوير جديدة بعضها يمكن أن يستغل ثورة الذكاء الاصطناعي.

ما سبق يجعلنا نتساءل: هل طبقت سينما الأجزاء الحديثة العناصر السابقة، أم أنها جاءت متماشية مع عوامل أخرى من بينها متطلبات الجمهور؛ مستعينة بنجاح الجزء الأول لتكرار أجزاء يكون مصيرها الفشل؟

لنكن واقعيين. لن يلجأ منتج لإصدار جزء آخر لولا تحقيق الجزء الأول انتشارًا ونجاحًا تجاريًا عاليًا؛ لكن في الواقع ثمة أجزاء ثانية لم تجد النجاح نفسه الذي حققه الجزء الأول، والأمر يعود إلى الاستسهال وإعادة تدوير المنتج نفسه، ونحن أمام جمهور ذكي يستطيع تنقية الشوائب من أكوام المنتجات السينمائية.

سواء كان الأمر إفلاسًا فنيًا أو بحثا عن الأرباح، لا يهم السبب أمام نتيجة واحدة وهي إما النجاح أو الفشل. قطعًا لم يلجأ المنتجون لصناعة أجزاء أخرى شهدت نجاحًا واسعًا بدافع فني فقط؛ بل ارتبط الأمر بالرغبة في المزيد من الربح. بيْدَ أن الفيصل أنهم درسوا الحالة الفنية جيدًا وقدموا نماذج أخرى لا تقل جودة عن الجزء الأول، وهذا هو الفيصل الجوهري.

المطلوب الآن من صناع السينما أن يتعاملوا مع ظاهرة «سينما الأجزاء» بواقعية وذكاء لا يقل عن ذكاء الجمهور؛ ذلك أن الرهان على غياب ذائقة المتلقي لن يجدي نفعًا، فشباك التذاكر تحكمه عدة عوامل يعرفها المتخصصون جيدًا، حتى وإن لجأ الموزعون لحيل. لكن يبقى إقناع الجمهور هو العامل الأساسي، وبتجاهله يخسر كل عناصر العمل الفني سواء الممثل، أو المنتج، وحتى المخرج. فالفن يا سادة بالسمعة، وكل منتج معروض على الجمهور لا يراهن على السمعة العالية يتراجع في السباق التجاري.

لست متأكدًا من أن جميع عناصر الإنتاج يدركون هذه العوامل الجوهرية، لكنني متأكد من أن الممثل، وهو رأس مال العمل الفني، يهمه في المقام الأول أن يظل في مقدمة المفضلين لدى الجمهور، بحيث يختلف الأمر بالنسبة للمنتج الذي يحاول تعويض خسارة في منتج بآخر يستعين فيه بممثلين أكثر حضورًا وإقناعًا الجمهور؛ وبالتالي فإن الخاسر الأكبر من فشل أي تجربة مكررة هو الممثل في المقام الأول ولن يعوض خسائره إلا بتعديل مساره واستعادة ثقة الجمهور؛ فانتبهوا يا أولي الأبصار.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى