قل لي من رفيق دربك، أقل لك من أنت؟
فاطمة العدلاني
قالوا قديمًا “الصاحب ساحب”!
ومعنى ذلك انتقُوا واختاروا من تتخذونَه خليلًا أي صَديقًا.
فإنَّ الطباع سرَّاقة والصُحبَة مُؤثِّرة في إصلاح الحال وإفساده.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المرء علي دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل”
فالإنسان على عادة صاحبه وطريقته وسيرته؛ فالاحتياط لدينه وأخلاقه أن يَتَأمَّل وينظر فيمن يصاحبه، فمن رضِي دينه وخلقه صاحبه، ومن لا تجَنَبَه.
فإن كنت مثلا لا تهتم بالكرة ولكن لك صحبة تنشغل بأحداث الكرة العالمية وتحفظ ميعاد الدوري وتهتم بلاعبي الكرة وكم مرة أُصيبت قدم المدافع في مبارة التاسعة، ستهتم بذلك رغمًا عنك.
“ستهتم دون أن تهتم”
إن كنتِ غير مهتمه بصيحات الموضة ومساحيق التجميل ثم كانت لك صحبة من هؤلاء الذين يتابعون آخر ما عرضته الأزياء العالمية و
يبحثون ليل نهار عن ما أتى وذهب في هذا العالم، ستأتي بعد حين وحين تكترثين بأمرهم وتسألين من أين يمكنني شراء عدسات لاصقة على فجأة من أمرك ستندهشين نفسك قبل أن يتفاجأون ما بك؟!
وقد نُقل إلينا مثل قديم “من جاور القوم أربعين يوما صار منهم” وهو ما يعني اعتياد الغريب وأُلوفه بعد مدة زمنية يصبح كل شيء مألوف مهما بدا في باديء الأمر غريبًا شاذًا عن المعتاد.
هذا كله مشهور في واقع الأمر فلا خوف منه مثل ما تم اكتشافه عن اعتياد النفس البشرية وقبولها لما ترفضه لمجرد اعتيادها وهو الخطر بعينه ، فمثلا أنت ترفض أن تشرب السجائر ومقتنع تماما أنك لن تقترب منها حتى أنك لا ترفضها وحسب بل أنك تدعوا لتركها أيضًا كل من تراه وتنصحه بمخاطرها ضرورة الابتعاد عنها كما أنك تعلم أنها محرمة فالأمر بالنسبة إليك منتهي، ثم ماذا؟!
ثم يكن لك صحبة اعتادت عليها ومن ثم تبدأ الصراعات النفسية في كل مرة يحاول فيها أحدهم عرض ذلك عليك وتنتهي برفضك، الصراعات النفسية والتي لن تكون في عين الظهور اليك من البداية فالعقل الظاهر ما زال واعيًا لما يريده وما يرفضه يعي جيدا لكن شيئًا نفسيًا داخليًا يبدأ بالطرق.
مرة أخرى ترى السجائر ويعرض أحدهم ذلك عليك وكذلك تنتهي برفضك بل وربما استنكار فعله وتأتي طرقة أخرى نفسية ليست ظاهرة.. مرة أخرى تنتهي بالرفض دون استنكار الفعل (وهنا تأتي مرحلة اعتياد الشيء وألوفه – أصبح مألوف) ، مرة أخرى لعلك لا ترفض ولا تقبل لكن تأتي مرحلة التساوي في الكفتين وهنا يأتي الصراع النفسي وانتقال من مرحلة: كيف يفعلون ذلك؟! لمرحلة: هل الخطأ عندي؟! في المرة القادمة إما أن ترجح كفة الإرادة أو تُهزم وحينها تكون قد تمت الهزيمة بنجاح.
وكذلك لأي عادة يمكن أن تكتسبها بكل سهولة لمجرد أنك مصطحب لفاعلها.
إذا اصطحبت ذو علم ستتعلم
وإذا اصطحبت مُعتكف ستصلي
وإذا اصطحبت شيطان ستتشيطن
هو بالمعنى الحرفي “الصاحب ساحب” والسحوب لعدم إدراكك لحظة باستحابك كما لم يعلم مستنكر السجائر أنه سيكون مدمنها بعد عدة أشهر من الصراع والنهي عنها،
ولكن لعلك تقول سأبتعد عن مساوئ رفيقي واتخذ من محاسنه سبيل، آسفا لا محال يا صديقي أمررت يوما بنافخ الكير ولم تُصيبك ريحة كريهة؟! أما مررت يوما بحامل المسك ولم تُصيبك عدوى طيبة؟
احذر صُحبتك
وحدك تسير وإلى الله المصير.