انفجار من فجر الكون.. جيمس ويب يرصد أقدم مستعر أعظم ويكشف أسرار النجوم الأولى
الترند العربي – متابعات
في إنجاز علمي غير مسبوق يعيد كتابة فصول مبكرة من تاريخ الكون، نجح فريق دولي من علماء الفلك في رصد انفجار نجمي يعود إلى بدايات تشكل الكون، باستخدام تلسكوب جيمس ويب الفضائي، ليقدّم أقدم صورة مباشرة لانتهاء حياة نجم ضخم قبل نحو 13 مليار عام، في اكتشاف وصفه الباحثون بأنه نافذة نادرة على حقبة لم يكن يُعتقد سابقًا أنها قابلة للرصد المباشر.
هذا الحدث الكوني الاستثنائي، الذي يمثل مستعرًا أعظم ناتجًا عن انفجار نجم ضخم، وقع عندما كان عمر الكون لا يتجاوز 730 مليون سنة فقط، أي خلال مرحلة شديدة الأهمية تُعرف باسم حقبة إعادة التأين، وهي الفترة التي بدأت فيها أولى النجوم والمجرات بإضاءة الكون بعد عصور الظلام الأولى.
اكتشاف يعيد تعريف حدود الرصد الفلكي
رصد مستعر أعظم على هذه المسافة الكونية القياسية يُعد قفزة نوعية في علم الفلك، إذ لم يسبق للعلماء أن شاهدوا بشكل مباشر نهاية حياة نجم في هذه المرحلة المبكرة جدًا من تاريخ الكون، وهو ما كان يُعد حتى وقت قريب خارج نطاق الإمكانات التقنية المتاحة.
تلسكوب جيمس ويب، بقدراته الفريدة على الرصد في نطاق الأشعة تحت الحمراء، مكّن العلماء من تجاوز الحواجز التي فرضها تمدد الكون وامتصاص الضوء، ليصل إلى هذا الحدث الذي سافر ضوؤه مليارات السنين قبل أن يصل إلى مرايا التلسكوب.

وميض أشعة غاما يقود إلى الاكتشاف
بداية الاكتشاف لم تكن عبر الضوء المرئي، بل من خلال وميض قوي من أشعة غاما طويلة المدة، حمل الرمز GRB 250314A، وهو النوع من الانفجارات الذي يرتبط عادة بموت النجوم الضخمة. هذا الوميض التقطته أجهزة رصد متخصصة، ليشكّل أول خيط يقود العلماء إلى هذا الحدث الاستثنائي.
انفجارات أشعة غاما تُعد من أعنف الظواهر في الكون، وغالبًا ما تكون بمثابة إشارة تحذير لحدوث انفجار نجمي هائل، لكن ربطها بمستعر أعظم على هذه المسافة الكونية ظل تحديًا علميًا كبيرًا حتى الآن.
جيمس ويب يدخل المشهد الحاسم
بعد مرور نحو 110 أيام على رصد وميض أشعة غاما، وُجّه تلسكوب جيمس ويب نحو موقع الحدث، مستخدمًا كاميرا الأشعة تحت الحمراء القريبة، ليبدأ ما وصفه العلماء بعملية «التشريح الضوئي» للمنطقة، حيث تمكن من فصل ضوء المستعر الأعظم عن ضوء مجرته المضيفة الخافتة للغاية.
هذا الفصل الدقيق كان المفتاح الذي سمح بتأكيد أن ما شوهد بالفعل هو مستعر أعظم حقيقي، وليس مجرد توهج عابر أو ظاهرة أخرى، وهو إنجاز تقني بالغ التعقيد في هذه المرحلة من الكون.

ربط حاسم بين أشعة غاما وموت النجوم الضخمة
أكد الباحثون أن هذا الرصد يمثل الدليل الأقوى حتى الآن على العلاقة المباشرة بين انفجارات أشعة غاما طويلة المدة وموت النجوم الضخمة في الكون المبكر، وهي علاقة كانت مدعومة نظريًا ورصديًا في الكون القريب، لكنها لم تُثبت بشكل مباشر في هذه الأزمنة السحيقة.
أحد الباحثين المشاركين في الدراسة أوضح أن معظم المستعرات العظمى التي دُرست سابقًا كانت قريبة نسبيًا من مجرتنا، وعندما تبيّن أن هذا الحدث يعود إلى حقبة مبكرة للغاية، أدرك الفريق أنهم أمام فرصة فريدة لفهم طبيعة النجوم الأولى.
نجم قديم بخصائص مألوفة
المثير في هذا الاكتشاف أن خصائص المستعر الأعظم المرصود بدت مشابهة بشكل لافت لمستعرات عظمى معروفة في الكون القريب، مثل المستعر النموذجي الذي دُرس قبل عقود، ما يشير إلى أن النجوم الضخمة في بدايات الكون ربما لم تكن مختلفة جذريًا عن تلك التي نراها اليوم.
هذا التشابه يطرح تساؤلات عميقة حول كيفية تشكل النجوم الأولى، وما إذا كانت الفيزياء الأساسية التي تحكم حياتها وموتها قد استقرت مبكرًا جدًا في تاريخ الكون.

تحدي فرضيات قديمة عن نجوم الكون الأول
لسنوات طويلة، افترض علماء الفلك أن النجوم الأولى في الكون، التي تشكلت في بيئة فقيرة بالعناصر الثقيلة، كانت تنتج انفجارات أكثر سطوعًا أو ذات خصائص مختلفة جذريًا عن المستعرات العظمى المعروفة اليوم، إلا أن هذا الاكتشاف يضع تلك الفرضيات موضع مراجعة.
البيانات المستخلصة من رصد جيمس ويب تشير إلى أن هذا المستعر لم يكن من فئة المستعرات فائقة السطوع، بل أقرب إلى النماذج المألوفة، رغم الاختلاف الكبير في الظروف الفيزيائية بين الكون المبكر والكون الحديث.
لمحة نادرة على المجرة المضيفة
إلى جانب رصد المستعر الأعظم نفسه، أتاح هذا الاكتشاف لمحة أولية عن المجرة التي استضافت هذا النجم المحتضر، وهي مجرة بالغة الخفوت، ما يعكس طبيعة المجرات الأولى التي كانت صغيرة الكتلة وضعيفة الإضاءة مقارنة بالمجرات الضخمة في الزمن اللاحق.
دراسة هذه المجرة تمثل خطوة إضافية نحو فهم كيفية تشكل المجرات الأولى، ودور النجوم الضخمة في إثراء الوسط الكوني بالعناصر الثقيلة.

أهمية حقبة إعادة التأين
الحدث وقع خلال حقبة إعادة التأين، وهي مرحلة مفصلية في تاريخ الكون، حيث بدأت الأشعة فوق البنفسجية الصادرة عن النجوم الأولى في إعادة تأيين الهيدروجين، ما جعل الكون شفافًا للضوء، ومهّد الطريق لتشكل البنية الكونية كما نعرفها اليوم.
رصد مستعر أعظم في هذه الحقبة يزوّد العلماء بمعلومات مباشرة عن مصادر الطاقة التي أسهمت في هذه العملية الكونية الكبرى.
جيمس ويب يفي بوعوده العلمية
منذ إطلاقه، عُدّ تلسكوب جيمس ويب الأداة المثالية لاستكشاف الكون المبكر، وهذا الاكتشاف يعزز تلك التوقعات، مؤكدًا أن التلسكوب لا يكتفي برصد المجرات الأولى، بل قادر أيضًا على تتبع الظواهر العنيفة التي شهدتها تلك الأزمنة السحيقة.

تعاون دولي يعكس تعقيد المهمة
الإنجاز جاء ثمرة تعاون دولي واسع، جمع بين مراصد فضائية وأرضية، ونماذج نظرية متقدمة، وتحليلات دقيقة للبيانات، في مثال واضح على الطبيعة التشاركية لعلم الفلك الحديث، حيث لا يمكن لأداة واحدة أن تكشف كل أسرار الكون بمفردها.
نماذج نظرية تحت الاختبار
اعتمد الفريق البحثي على نماذج مستندة إلى مستعرات عظمى مرتبطة بانفجارات أشعة غاما في الكون القريب، وقاموا بتطبيقها على هذا الحدث البعيد، وكانت النتيجة تطابقًا لافتًا بين التوقعات والرصد الفعلي، ما عزز الثقة في هذه النماذج.
تساؤلات جديدة بقدر ما هي إجابات
رغم أهمية الاكتشاف، يؤكد العلماء أنه يفتح بابًا واسعًا لأسئلة جديدة، تتعلق بمدى شيوع مثل هذه الانفجارات في الكون المبكر، ودورها في تطور المجرات، وتأثيرها على البيئة الكونية المحيطة.
خطط رصد مستقبلية
الفريق يخطط لإجراء جولة رصد ثانية باستخدام تلسكوب جيمس ويب خلال العامين المقبلين، عندما يكون ضوء المستعر قد خفت بدرجة كافية، ما سيسمح بدراسة المجرة المضيفة بتفصيل أكبر، وتأكيد مساهمة المستعر في الإشعاع المرصود.
نافذة على فجر النجوم
هذا الاكتشاف يمنح العلماء نافذة غير مسبوقة على فجر تشكل النجوم، ويقرّبنا خطوة إضافية من فهم كيف تحوّل الكون من بحر مظلم من الهيدروجين إلى شبكة معقدة من النجوم والمجرات.
العلم يقترب من البدايات الأولى
رصد انفجار نجمي بهذا القِدم لا يمثل مجرد رقم قياسي، بل علامة على أن البشرية باتت تمتلك الأدوات التي تمكّنها من الاقتراب أكثر من لحظة «الولادة الكونية»، وفهم العمليات الفيزيائية التي وضعت اللبنات الأولى لكل ما نراه اليوم.
اكتشاف يعيد رسم الخريطة الزمنية للكون
مع كل اكتشاف من هذا النوع، تتغير الخريطة الزمنية للكون في أذهان العلماء، وتصبح الفجوة بين النظرية والرصد أضيق، ما يعزز فهمنا لتاريخ الكون بشكل أكثر دقة وواقعية.
رسالة علمية تتجاوز الفلك
هذا الإنجاز لا يهم علماء الفلك وحدهم، بل يسلط الضوء على قدرة العلم والتكنولوجيا على تجاوز حدود الزمن والمكان، ويفتح آفاقًا جديدة لفهم أصول الوجود، في قصة علمية تمتد من انفجار نجم بعيد إلى مختبرات الأرض.
ما أهمية هذا الاكتشاف علميًا؟
يُعد أقدم رصد مباشر لمستعر أعظم، ويوفر نظرة فريدة على موت النجوم الأولى في الكون.
كم كان عمر الكون وقت حدوث الانفجار؟
نحو 730 مليون سنة فقط بعد نشأة الكون.
ما علاقة أشعة غاما بالمستعرات العظمى؟
انفجارات أشعة غاما طويلة المدة ترتبط عادة بموت النجوم الضخمة وانهيار نواتها.
هل يختلف هذا المستعر عن المستعرات المعروفة اليوم؟
أظهرت البيانات تشابهًا لافتًا مع مستعرات عظمى معروفة، رغم اختلاف ظروف الكون المبكر.
ما الخطوة التالية للعلماء؟
إجراء رصد إضافي للمجرة المضيفة ودراسة آثار الانفجار بشكل أكثر تفصيلًا لفهم تطور النجوم الأولى.
اقرأ أيضًا: عام الخسائر الكبرى.. 2025 يدخل سجل الكوارث المناخية كالأغلى في التاريخ بخسائر 120 مليار دولار

