سياسة

المريحون نفسيًا.. بشر من طمأنينة

محمود عبدالراضي

في زحام الأيام وضجيج الخيبات، يظهر أشخاص لا يرفعون لافتات ولا يتباهون بما يفعلون، لكنك ما إن تقترب منهم حتى تشعر أن الدنيا أوسع، وأن الصدر اتسع فجأة بعد ضيق، هم المريحون نفسيًا، أولئك الذين نجري إليهم حين تضيق بنا الحياة ذرعًا، فنصل مثقلين ونعود أخف وزنًا، كأن الهم كان يحملنا لا نحمله.

هؤلاء لا يسألون كثيرًا، ولا يفتشون في الجراح، يعرفون أن بعض الألم لا يحتاج إلى تحليل بقدر ما يحتاج إلى احتواء.

يجلسون بجوارك، يسمعون أكثر مما يتكلمون، ويمنحونك شعورًا نادرًا بأنك مفهوم دون شرح، ومقبول دون شروط.

يحولون الألم إلى أمل، لا بخطابات منمقة، بل بحضور صادق، وبكلمة في وقتها، وبنظرة تقول إنك لست وحدك.

معهم نفرغ طاقات الحزن والوجع، نلقي بما أثقل أرواحنا، فيعيدونه إلينا طمأنينة، ويبدلون الانكسار بثقة، والتعب بسلام، كأنهم محطات شحن إنسانية، تدخل إليهم وأنت فارغ من القدرة على الاحتمال، وتخرج وأنت قادر على الاستمرار، حتى لو لم يتغير شيء في الواقع، لكنك أنت الذي تغيرت.

نركض إليهم فنرتمي في أحضانهم، لا لنختبئ، بل لنرتاح، نلقي همومنا بين أيديهم فنجدها آمنة، لا تُدان ولا تُسخر، بل تُحترم، كلهم عذب، وكلهم راحة، لا يطلبون مقابلًا، ولا يسجلون جميلًا، ولا ينتظرون شكرًا، يساندون لأن المساندة عندهم طبيعة، لا بطولة.

هؤلاء دأبوا على مساعدة غيرهم، لا لأنهم بلا وجع، بل لأنهم فهموا الألم مبكرًا، فاختاروا أن يكونوا جسرًا لا حاجزًا، يجدون في مد أيديهم البيضاء رسالة محبة، وفي التخفيف عن الناس عبادة خفية.

ابحثوا عن هذا الصنف النادر من البشر، صادِقوهم، اقتربوا منهم، وحافظوا عليهم، فوسط عالم يزداد قسوة، وجود شخص مريح نفسيًا ليس رفاهية، بل نعمة لا تُقدّر بثمن.

المصدر: اليوم السابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى