بعد 15 عاماً من حادثة فوكوشيما.. اليابان تستعد لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم
الترند العربي – متابعات
بعد خمسة عشر عامًا على واحدة من أخطر الكوارث النووية في التاريخ الحديث، تعود اليابان لفتح ملف الطاقة النووية من أوسع أبوابه، مع استعدادها لإعادة تشغيل محطة كاشيوازاكي–كاريوا، أكبر محطة نووية في العالم، في خطوة تعكس تحولات عميقة في الحسابات السياسية والاقتصادية والطاقوية داخل ثالث أكبر اقتصاد عالمي.
الموافقة التي أعلنتها محافظة نيغاتا على إعادة تشغيل المحطة تمثل لحظة مفصلية في علاقة اليابان بالطاقة النووية، علاقة اتسمت منذ عام 2011 بالحذر والشك والانقسام المجتمعي، قبل أن تفرض المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية واقعًا جديدًا يدفع طوكيو إلى إعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية.
محطة كاشيوازاكي–كاريوا.. عملاق نووي صامت
تقع محطة كاشيوازاكي–كاريوا على الساحل الغربي لليابان، على بعد نحو 220 كيلومترًا شمال غربي طوكيو، وتضم سبعة مفاعلات نووية بقدرة إجمالية تتجاوز 8 آلاف ميغاواط، ما يجعلها الأكبر عالميًا من حيث الطاقة الإنتاجية، وقادرة بمفردها على تزويد ملايين المنازل بالكهرباء.
ومنذ إغلاقها عقب كارثة فوكوشيما، ظلت المحطة رمزًا للجمود النووي الياباني، ومحل جدل دائم بين مؤيدين يرون فيها ضرورة اقتصادية، ومعارضين يعتبرونها مخاطرة غير مقبولة في بلد يقع على واحد من أكثر الأحزمة الزلزالية نشاطًا في العالم.

كارثة فوكوشيما.. الجرح الذي لم يندمل
في مارس 2011، ضرب زلزال عنيف أعقبه تسونامي مدمر الساحل الشمالي الشرقي لليابان، متسببًا في انهيار أنظمة التبريد في محطة فوكوشيما دايتشي، ما أدى إلى انصهار ثلاثة مفاعلات وتسرب مواد مشعة على نطاق واسع، في أسوأ حادث نووي منذ تشيرنوبيل عام 1986.
الحدث غيّر المزاج العام الياباني جذريًا، ودفع الحكومة آنذاك إلى إغلاق جميع المفاعلات النووية البالغ عددها 54 مفاعلًا، وسط موجة غضب شعبية ومخاوف صحية وبيئية طويلة الأمد لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم.
15 عامًا من التجميد والمراجعة
على مدى السنوات التي تلت فوكوشيما، خضعت اليابان لعملية مراجعة شاملة لسياساتها النووية، شملت إعادة هيكلة هيئات الرقابة، وتشديد معايير السلامة، وإجراء اختبارات زلزالية وتكنولوجية صارمة قبل السماح بإعادة تشغيل أي مفاعل.
ومع ذلك، لم يُعاد تشغيل سوى عدد محدود من المفاعلات، فيما بقيت محطات كبرى، وعلى رأسها كاشيوازاكي–كاريوا، خارج الخدمة بسبب اعتراضات محلية وملاحظات تنظيمية متعلقة بإجراءات الأمن والسلامة.

قرار نيغاتا.. الضوء الأخضر المنتظر
موافقة محافظة نيغاتا تمثل العقبة الأخيرة أمام إعادة تشغيل المحطة، إذ إن القوانين اليابانية تمنح الحكومات المحلية دورًا حاسمًا في القبول المجتمعي للمشروعات النووية، حتى بعد استيفائها الشروط الفنية الوطنية.
وجاء القرار بعد سنوات من المفاوضات والدراسات والتعديلات التقنية، إضافة إلى التزامات من شركة تشغيل المحطة بتعزيز أنظمة الطوارئ، وتحسين خطط الإخلاء، ورفع مستوى الشفافية مع السكان المحليين.
الطاقة والاقتصاد.. دوافع العودة
التحول في الموقف الياباني لا يمكن فصله عن الضغوط الاقتصادية المتزايدة، فاليابان تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد الوقود الأحفوري، ومع ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا، تزايد العبء على الميزان التجاري، وارتفعت تكاليف الكهرباء على الصناعات والأسر.
إعادة تشغيل محطة واحدة بحجم كاشيوازاكي–كاريوا تعني تقليص واردات الغاز والنفط، وخفض الانبعاثات الكربونية، وتعزيز أمن الطاقة في وقت يشهد العالم اضطرابات في سلاسل الإمداد.

البعد الجيوسياسي.. الطاقة كسلاح ناعم
في عالم ما بعد الحرب الأوكرانية، باتت الطاقة عنصرًا مركزيًا في الحسابات الجيوسياسية، واليابان ليست بمعزل عن هذا التحول، إذ تسعى لتقليل اعتمادها على مصادر خارجية، خصوصًا في ظل التوترات في شرق آسيا، وتصاعد المنافسة بين القوى الكبرى.
الطاقة النووية، رغم حساسيتها، توفر لليابان مصدرًا مستقرًا طويل الأمد، يعزز استقلال قرارها الاقتصادي ويحد من تعرضها للصدمات الخارجية.
الأمن والسلامة.. ما الذي تغيّر؟
منذ فوكوشيما، تغيّر الكثير في معايير السلامة النووية اليابانية، حيث أُنشئت هيئة رقابية مستقلة، وفرضت اشتراطات جديدة تشمل مقاومة الزلازل والتسونامي، وأنظمة تبريد احتياطية، ومراكز تحكم بديلة.
وفي محطة كاشيوازاكي–كاريوا تحديدًا، أُجريت تعديلات واسعة شملت تعزيز الجدران الواقية، وتحديث أنظمة الرصد الإشعاعي، وتدريب فرق الطوارئ على سيناريوهات متعددة، في محاولة لطمأنة الرأي العام وتقليل المخاطر المحتملة.

إزالة آثار فوكوشيما.. تحدٍ مستمر
بالتوازي مع إعادة إحياء القطاع النووي، لا تزال اليابان تواجه تحديًا ضخمًا في موقع فوكوشيما دايتشي، حيث تستمر عمليات إزالة الوقود المنصهر والحطام المشع، باستخدام روبوتات يتم التحكم بها عن بُعد، نظرًا لمستويات الإشعاع الخطيرة.
هذه العمليات، التي قد تستغرق عقودًا، تُذكّر اليابانيين يوميًا بثمن الإخفاق النووي، وتفرض على الحكومة موازنة دقيقة بين الذاكرة الجماعية ومتطلبات الحاضر والمستقبل.
الانقسام المجتمعي.. قبول حذر
رغم الموافقات الرسمية، لا يزال الرأي العام الياباني منقسمًا حول العودة النووية، فبينما يرى البعض أن التكنولوجيا تطورت وأن المخاطر باتت محسوبة، يظل آخرون غير مقتنعين بإمكانية السيطرة الكاملة على قوى الطبيعة في بلد زلزالي.
وتحاول الحكومة التعامل مع هذا الانقسام عبر تعزيز الشفافية، وإشراك المجتمعات المحلية في صنع القرار، وربط العودة النووية بأهداف بيئية واقتصادية واضحة.
الطاقة النووية والحياد الكربوني
تسعى اليابان لتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، والطاقة النووية تُعد، من منظور الحكومة، عنصرًا أساسيًا في هذا المسار، إلى جانب الطاقة المتجددة، خاصة في ظل محدودية الأراضي وصعوبة الاعتماد الكامل على الشمس والرياح.
ومن هذا المنطلق، تُقدَّم عودة كاشيوازاكي–كاريوا ليس كعودة إلى الماضي، بل كجزء من مزيج طاقوي جديد يوازن بين الأمان والاستدامة.
رسالة إلى العالم
قرار اليابان لا يهم الداخل فقط، بل يُقرأ عالميًا بوصفه مؤشرًا على إعادة تقييم دور الطاقة النووية في زمن الأزمات المناخية والاقتصادية، وقد يشجع دولًا أخرى على مراجعة مواقفها، خاصة تلك التي أغلقت مفاعلاتها تحت ضغط الرأي العام بعد حوادث سابقة.
في المقابل، يضع القرار اليابان تحت مجهر دولي دائم، حيث ستُقاس تجربتها بمدى قدرتها على تشغيل العملاق النووي بأمان وشفافية.
لماذا تُعد محطة كاشيوازاكي–كاريوا الأكبر في العالم؟
لأنها تضم سبعة مفاعلات نووية بقدرة إنتاجية إجمالية هي الأعلى عالميًا.
لماذا أُغلقت المحطة بعد عام 2011؟
ضمن قرار شامل بإغلاق جميع المفاعلات النووية في اليابان عقب كارثة فوكوشيما.
ما الذي تغيّر بعد 15 عامًا؟
تشديد معايير السلامة، وضغوط اقتصادية، وحاجة متزايدة لأمن الطاقة وتقليل الانبعاثات.
هل يعني القرار نهاية الجدل النووي في اليابان؟
لا، الجدل لا يزال قائمًا، لكن القرار يعكس تحولًا رسميًا نحو قبول مشروط بالطاقة النووية.
ما التحدي الأكبر أمام إعادة التشغيل؟
الحفاظ على ثقة الرأي العام وضمان أعلى مستويات الأمان في بلد زلزالي.
اقرأ أيضًا: من 14 كلمة فقط.. كيف أنهى محمد صلاح عاصفة الغضب داخل ليفربول؟


