
خطوات تسبق الأمنيات
محمود عبدالراضي
في هذا العالم الذي لا يتوقف عن الدوران، يظل السعي هو الحركة التي تمنح للحياة معناها الحقيقي، والعمل هو البوصلة التي تُعيد للإنسان اتزانه كلما اختلطت عليه الطرق.
فليس النجاح هبة تُلقى في طريق أحد، ولا الأحلام تُقطف بلا جهد، بل إن القلوب التي تعرف قيمة السعي تدرك جيداً أن الطريق هو مربّي الإنسان قبل أن يكون وسيلته إلى الوصول.
السعي ليس ركضاً عشوائياً ولا محاولة عابرة، بل هو نية تسكن الصدر، ثم تتحول إلى خطوة، ثم تتجسد عملاً يغيّر ملامح الأيام ببطء يشبه نمو الأشجار، قد لا نرى الثمار فوراً، لكننا نشعر بأنفسنا نقوى، وبأحلامنا تقترب، وبحياتنا تتسع لمن يستحق أن يكون فيها.
وهناك متعة خفية في العمل لا يدركها إلا من ينهض كل صباح ليضع شيئاً من روحه فيما يصنعه، متعة تشبه راحة التعب حين يبدأ في التحول إلى إنجاز، وتشبه يقين القلب حين يلمس أن جهده لم يذهب هباء، فالعمل ليس مجرد مجهود جسدي، بل هو عافية معنوية، وحالة من التصالح بين الإنسان وذاته وبين أمانيه والواقع الذي يحاول أن يصنعه بيديه.
ولعل أجمل ما في السعي أنه لا يخذل أحداً، فقد يطول الطريق أو يلتف أو يتأخر الوصول، لكن النهاية دائماً تكون بحجم الصدق الذي وُضع في الخطوات.
أما أولئك الذين ينتظرون الحياة أن تعطي دون أن يمدوا أيديهم بالعمل، فهم لا ينتظرون إلا فراغاً كبيراً لا يملؤه شيء، فالحياة لا تكافئ المتفرجين، بل الذين يقدمون لها شيئاً يستحق أن يُكتب في سجل أيامهم.
إن إعلاء قيمة السعي هو إعلاء لقيمة الإنسان ذاته، لأن العمل يرمم ما تكسره العثرات، ويعيد للروح ثقتها، ويجعل لكل يوم سبباً يستحق أن يُعاش.
فامضوا في طرقكم بثبات، وازرعوا خطواتكم كما تُزرع البذور في أرض تعرف أنها ستُثمر، ولا تنسوا أن السعي هو حكاية العمر التي تكتبها أفعالكم لا أحلامكم.
المصدر: اليوم السابع



