مرصد “نور الفلك” بالقصيم يرصد بقعًا شمسية ضخمة ويتوقّع توهّجات متوسطة التأثير

مرصد “نور الفلك” بالقصيم يرصد بقعًا شمسية ضخمة ويتوقّع توهّجات متوسطة التأثير
الترند العربي – متابعات
في مشهدٍ يعكس ازدهار الأبحاث الفلكية في المملكة، رصد مرصد “نور الفلك” بمنطقة القصيم صباح اليوم مجموعة من البقع الشمسية الكبيرة على سطح الشمس، والتي يُتوقّع أن تنشأ عنها توهّجات شمسية متوسطة التأثير تمتد آثارها إلى المناطق القطبية خلال الأيام القليلة المقبلة، وفق ما أعلنت جمعية نور لعلوم الفلك.
نشاط شمسي متزايد ورصد دقيق من القصيم
أوضح رئيس الجمعية عيسى الغفيلي أن هذه البقع تُعدّ مناطق نشطة مغناطيسيًا تظهر وتختفي بشكلٍ دوري ضمن الدورة الشمسية الحادية عشرة التي تشهد حاليًا نشاطًا متصاعدًا. وتبدو هذه البقع داكنة مقارنة بالمناطق المحيطة بها بسبب انخفاض درجة حرارتها، إذ يؤدي مرور التيارات المغناطيسية الشديدة إلى تبريد الطبقات السطحية للشمس.
وأضاف الغفيلي أن هذه الظاهرة تمثل مؤشرًا واضحًا على ارتفاع مستوى النشاط الشمسي خلال الفترة المقبلة، وهو ما يتزامن عادة مع تزايد عدد الانفجارات الشمسية والانبعاثات الإشعاعية التي يمكن أن تمتد إلى الغلاف الجوي للأرض.

آثار محتملة على الأقمار الصناعية والمجالات المغناطيسية
وأشار الغفيلي إلى أن التوهّجات والعواصف الشمسية المتوسطة قد تُسهم في ظهور الشفق القطبي في المناطق الشمالية من الكرة الأرضية، بينما تكون تأثيراتها على الأقمار الصناعية وشبكات الطاقة محدودة لكنها قابلة للرصد.
وأضاف أن الجمعية تعمل على مراقبة الإشعاعات الناتجة عن هذه البقع لتقدير شدّة التوهّجات المحتملة بدقة، نظرًا لتأثيرها المباشر على طقس الفضاء، وهو أحد المجالات البحثية التي تشهد اهتمامًا عالميًا متزايدًا في السنوات الأخيرة.
وأوضح أن التوهّجات الشمسية قد تُحدث اضطرابات مؤقتة في الاتصالات اللاسلكية عالية التردد، أو تؤثّر على أجهزة الملاحة، مشيرًا إلى أن مستوى النشاط الحالي لا يُشكّل خطرًا على البنية التحتية الأرضية أو حياة البشر، بل يُعدّ ضمن الحدود الطبيعية للدورات الشمسية المتكرّرة.

الشفق القطبي.. لوحة طبيعية من صنع العواصف الشمسية
تُعتبر العواصف الشمسية الخفيفة والمتوسطة أحد الأسباب الرئيسية وراء ظهور الشفق القطبي، تلك الظاهرة البصرية المذهلة التي تزيّن سماء المناطق القطبية بألوانٍ خضراء وأرجوانية.
ويحدث الشفق عندما تصطدم الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس بذرات الأوكسجين والنيتروجين في الغلاف الجوي العلوي للأرض، ما يولّد طاقة ضوئية تُترجم إلى مشهد طبيعي بديع.
ويؤكد علماء الفلك أن النشاط الحالي قد يُسهم في ظهور موجات شفق قطبي أوضح من المعتاد في الأسابيع القادمة، لا سيما في مناطق مثل كندا، ألاسكا، النرويج، وفنلندا، وهو ما يتابعه مرصد “نور الفلك” بالتعاون مع مراكز عالمية مختصة برصد الظواهر الشمسية.

جهود وطنية في مراقبة طقس الفضاء
تعد جمعية نور لعلوم الفلك واحدة من أبرز المراكز السعودية المهتمة برصد السماء ومتابعة الظواهر الفلكية بدقة عالية. وقد أسست مرصدها في منطقة القصيم لتكون قاعدة علمية لمراقبة النشاط الشمسي وحركة الكواكب والأجرام السماوية.
ويضم المرصد أجهزة متطورة لمراقبة الانبعاثات الكهرومغناطيسية وتسجيل التغيرات في الغلاف الجوي العلوي، ضمن منظومة وطنية تسعى إلى تعزيز البحث العلمي في مجال الفلك وعلوم الفضاء.
ويشير الغفيلي إلى أن فريق المرصد يتابع نشاط الشمس على مدار الساعة، ويعمل على تحليل البيانات وتزويد الجهات المختصة بتقارير فورية عن أي تغيّرات قد تؤثر على أنظمة الاتصالات أو الأقمار الاصطناعية، وهو ما يتماشى مع جهود المملكة في تعزيز الأمن الفضائي ومواكبة التطورات العلمية العالمية.

التاريخ يعيد نفسه.. أقوى عاصفة شمسية قبل 160 عامًا
وللتذكير، شهد العالم في القرن التاسع عشر واحدة من أعنف العواصف الشمسية في التاريخ، تُعرف باسم حدث كارينغتون (Carrington Event)، وقعت عام 1859 وتسببت في انقطاع أنظمة التلغراف حول العالم وظهور الشفق القطبي حتى في مناطق قريبة من خط الاستواء مثل كوبا والمكسيك.
ويُقارن العلماء دائمًا النشاط الشمسي الحالي بتلك الحادثة التاريخية لتقدير مدى اقترابنا من دورة شمسية مشابهة، إلا أن المراقبين يؤكدون أن التوهّجات المتوقعة هذه المرة متوسطة التأثير ولا تشكل خطرًا واسع النطاق.
فهم الشمس.. مفتاح التنبؤ بمستقبل الأرض
تعد دراسة البقع الشمسية والتوهّجات من أهم المجالات في علم الفلك الحديث، إذ تساعد العلماء على فهم العلاقة بين نشاط الشمس والمناخ الأرضي، إلى جانب تأثيرها على الأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة الجوية.
ويُشير الغفيلي إلى أن التقنيات الحديثة مثل التلسكوبات الشمسية وأجهزة الرصد الطيفي ساعدت في تحقيق نقلة نوعية في متابعة الظواهر الشمسية لحظة بلحظة، مؤكدًا أن “كل بقعة تُرصد على سطح الشمس تروي قصة جديدة عن توازن الكون ودقّة النظام الكوني”.
المملكة ومواكبة الثورة الفلكية العالمية
يأتي هذا الرصد من القصيم في وقتٍ تتزايد فيه الاستثمارات السعودية في مجال علوم الفضاء، من خلال الهيئة السعودية للفضاء ومراكز البحث العلمي التي تدعم المواهب الوطنية.
وتمثّل مبادرات مثل برنامج الفضاء الوطني والمشاركة السعودية في محطة الفضاء الدولية خطوات متقدمة نحو ترسيخ مكانة المملكة في المشهد العلمي العالمي، لتكون المراصد الوطنية مثل “نور الفلك” جزءًا من هذه الرؤية الطموحة التي تضع المعرفة والبحث العلمي في قلب التنمية.
النشاط الشمسي ودوراته المتكرّرة
تمر الشمس كل 11 عامًا تقريبًا بدورة نشاط تُعرف باسم الدورة الشمسية، تتبدّل خلالها أقطابها المغناطيسية، ويزداد فيها عدد البقع والتوهّجات. نحن الآن في المرحلة النشطة من الدورة الخامسة والعشرين، والتي بدأت عام 2019 ويتوقّع أن تبلغ ذروتها في عام 2025.
ويتابع علماء الفلك في السعودية هذه الدورة باهتمام كبير لرصد تأثيراتها المحتملة على المجال المغناطيسي للأرض، إذ يمكن لبعض التوهّجات القوية أن تولّد اضطرابات مؤقتة في شبكات الكهرباء أو أنظمة الاتصالات، لكنها نادرًا ما تبلغ مستوى الخطورة العالية.
المعرفة الفلكية.. جسر بين العلم والجمال
رغم أن البقع الشمسية تبدو للوهلة الأولى ظواهر علمية جافة، إلا أنها تُجسّد في جوهرها جمال النظام الكوني وتكامل عناصره. فالشمس، مصدر الحياة والطاقة على الأرض، تمر بدورات من النشاط والهدوء تُذكّرنا بأن الكون في حركة مستمرة لا تعرف السكون.
وفي هذا السياق، يسعى مرصد “نور الفلك” إلى تقريب هذه المفاهيم للجمهور من خلال برامج التثقيف الفلكي والمحاضرات العامة التي تشرح الظواهر بطريقة مبسطة تجمع بين الدهشة والمعرفة.
ما هي البقع الشمسية؟
هي مناطق على سطح الشمس تتميز بانخفاض حرارتها وكثافة نشاطها المغناطيسي، مما يجعلها تبدو داكنة اللون مقارنة بالمناطق المحيطة.
هل تشكل التوهّجات الشمسية خطرًا على الأرض؟
عادةً ما تكون التوهّجات المتوسطة آمنة، وقد تسبب فقط اضطرابات طفيفة في الاتصالات أو الأقمار الصناعية، دون أي تأثير مباشر على البشر.
هل يمكن رؤية الشفق القطبي الناتج عن هذه التوهّجات؟
نعم، في المناطق القريبة من القطبين يمكن مشاهدة الشفق بألوانه المميزة عندما تتفاعل الجسيمات الشمسية مع الغلاف الجوي للأرض.
كيف يراقب مرصد “نور الفلك” النشاط الشمسي؟
باستخدام تلسكوبات متخصصة وأجهزة طيفية تقيس الإشعاعات الكهرومغناطيسية بدقة، مع تحليل دوري للبيانات ومشاركتها مع المراكز الدولية.
هل حدثت عواصف شمسية أقوى من ذلك من قبل؟
نعم، أقوى عاصفة سُجلت كانت عام 1859 فيما يُعرف بحدث كارينغتون، وأدت إلى ظهور الشفق القطبي حتى قرب خط الاستواء.
اقرأ أيضًا: زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب جنوب كازاخستان