إرهابيو الإنترنت.. كيف تميزهم؟
وليد فكري
تحدثتُ في المقال السابق عن نوع جديد من الإرهاب هو “الإرهاب الإلكتروني” وهو قيام شخص/مجموعة باستهداف شخص أو أكثر بسبب تعبيره عن موقف ديني أو سياسي أو فكري مخالف لتوجههم بنفس الشأن، ومحاولتهم تعريضه للإيذاء والتخويف بحيث يعوقونه عن ممارسة حقه في التعبير”، فضلًا عن تخويفهم كل من يخالفهم التوجه من “مصير” ضحية إرهابهم هذا.. ولكن كيف نميز الإرهابي الإلكتروني؟ (لو سمحتم لي بالتعبير) بدايةً فإن من يمارس الإرهاب الإلكتروني عادةً ما يمارسه بشكل ممنهج.. سأعطيكم مثالًا.. هب أن رجلًا يسير في الطريق فصادف شخصًا يرتدي قميصًا فيه اللونان الأحمر والأزرق، فاستفز القميص الرجل فاعتدى بالضرب على مرتدي القميص… هذا عمل عدواني “عفوي” لم يكن مدبرًا ولا منظًمًا.. ولكن الأمر يختلف لو أن الرجل قد خرج إلى الطريق وقد قرر استهداف كل من يرتدون قمصانًا بها اللونان الأحمر والأزرق بناء على معتقد ديني أو سياسي يؤمن هو أنه يأمره بذلك.. وبقصد ليس فقط إيذاء مرتدي القميص وإنما إثارة الذعر بين من يرتدون مثله مما يجبرهم على الامتناع عن ذلك..
فهنا الاعتداء ممنهج ومنظم ومخطط له ومنطلق من فكر وتوجه.. هكذا يمكننا أن نميز المتنمر الإلكتروني عن الإرهابي الإلكتروني، والواقع أن التمييز بينهما قد يكون صعبًا، فكلاهما يرتكب ذات الجريمتان وهما: -السب: نعت المعتدَى عليه بألفاظ أو كُنَى أو ألقاب تسيء له معنويًا حتى وإن لم تكن تمثل سبابًا بذيئًا بشكل عام.. -القذف: وهو أن ينسب للمعتدَى عليه أمرًا أو سلوكًا من شأن إشاعته عنه تعريضه لازدراء محيطه، ولا يشترط لهذا السلوك أن يكون مخالفًا للقانون بل يكفي أن يمثل إساءة له في دوائره الاجتماعية والمهنية، كأن تصف رجلًا ينتمي لمجتمع متدين أنه “لا يمارس عباداته” أو أن تصف كاتبًا في تخصص معين أنه “يمارس التدليس”.
أما ما يميز الإرهابي الإلكتروني فهو أنه يرتكب إلى جانب عملا السب والقذف كلا من “جريمة التهديد بارتكاب جريمة”، وهو أن تهدد شخصًا بارتكاب عمل إجرامي ضده، فالإرهابي الإلكتروني هنا يهدد خصمه بالاستمرار في سبه وقذفه لو لم يتوقف عن ممارسة حقه في التعبير، وهو كذلك يرتكب تلك الجريمة بحق كل من يختلفون معه مستقبلًا.. أي أنه عمليًا “يقوم بترهيب من يخالفونه” وهو أساس عمل الإرهاب.. كما أنه يرتكب جريمة “إساءة استخدام وسائل الاتصال لإزعاج المواطنين”.
وكل ما سبق هو مما يصفه القانون بأنه “جرائم بحق آحاد الناس” أما ما يصنف تلك الأفعال ك”عمل إرهابي” فهو أن يكون مُنطَلَقها رغبة الجاني في تخويف من يخالفونه فكريًا ليحجموا عن التعبير بحرية عن آراءهم، وأن يكون عمله ضد من يستهدفهم قائم على منهج منظم في استهداف فئات معينة بعينها، وما يزيد موقفه سوءًا هو أن يكون وراء كل ما سبق انتماء منه لجهة أو جماعة مصنفة ك”تنظيم إرهابي” في العالم الواقعي..
والواقع أن هذا النمط من الإرهاب ليس بالذي ظهر توًا بل هو قديم، فأغلبنا نألف مصطلح “لِجان الإخوان الإلكترونية”، والتي تمثلت صورتها البدائية في تكرار نفس التعليقات العدوانية أو الحادة على المنشورات المعادية لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشر مقاطع فيديو وصور مفبركة كجزء من نشاطهم في نشر الشائعات وإثارة الفتن.. ولكنه مؤخرًا شهد تطورًا، فلم يعد يقتصر على مجرد حسابات وهمية تكرر نفس التعليقات أو تنشر نفس المنشورات، وإنما أصبح يضم بعض من يقدمون أنفسهم كمتخصصين في مجالات ذات صلة بالدعاية الإخوانية-كمجال التاريخ مثلًا-بحيث يقومون من ناحية بنشر المنهج الإخواني في قراءة التاريخ، ومن ناحية أخرى هم يرصدون أية قراءات تاريخية تمثل “خطرًا” على منهجهم ويقومون باستهداف أصحابها بشكل منظم ليس بطريقة “الحجة تواجه الحجة” وإنما باستهداف “شخص” صاحب القراءة والطعن في انتماءه الديني (وهو ما يضيف للجرائم سالفة الذكر جريمة: نشر المنهج التكفيري) بحيث “يغتالونه” معنويًا في العالم الافتراضي من ناحية ويرهبون من هم مثله بملاقاة مثل مصيره من ناحية أخرى.. هذا فضلًا عن حقيقة أن أصحاب تلك الحالة التي تناولتها في هذا المقال والمقال السابق لا يقتصر مُنطلق نشاطهم الإرهابي على الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وإنما على عمالة لجهات خارجية تستهدف أمن بلادنا.. فلحديثنا بقية بهذا الشأن بالذات!