الشماتة في الكوارث
عمر غازي
عندما تهتز الأرض تحت أقدام البشر أو تغمر الفيضانات المدن، وعندما تتطاير صرخات الاستغاثة مع الرياح العاتية، تكون الإنسانية أمام اختبار حقيقي، اختبار يُظهر قدرتنا على التعاطف أو يفضح ما فينا من قسوة وتشفي، في كل كارثة طبيعية تشهدها الأرض، يظهر من يتألم ومن يمد يد العون، ولكن في المقابل، هناك من يختار الشماتة وكأن المصائب فرصة لإظهار تفوق زائف أو تصفية حسابات وهمية، وهذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت أكثر وضوحًا وإزعاجًا.
الشماتة في الكوارث الطبيعية لا تعكس فقط غياب القيم الأخلاقية، بل تُظهر أزمة أعمق، أزمة في فهم معنى الإنسانية ذاتها، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2020 على عينات من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الكوارث الطبيعية أن 35% من تلك التعليقات تحتوي على عبارات تنم عن التشفي أو الاستهزاء، خاصة عندما يتعلق الأمر بكوارث تضرب دولًا تختلف ثقافيًا أو سياسيًا عن أصحاب تلك التعليقات، وهذه الظاهرة تكشف كيف تتحول الكوارث إلى ساحة لتصفية الحسابات بدلًا من أن تكون فرصة للتضامن.
الأمر لا يتوقف عند حدود الكلمات، بل يمتد إلى سلوكيات تزيد من تعقيد الأوضاع، ففي حالات عديدة، أظهرت دراسات ميدانية أن السخرية والشماتة تقللان من فرص تقديم المساعدة الإنسانية، حيث يعتقد البعض أن الضحايا “يستحقون ما حدث”، ما يؤدي إلى انخفاض التبرعات والدعم المقدم إليهم، ففي تقرير صادر عن منظمة الصليب الأحمر عام 2021 تبين أن الكوارث التي تضرب مناطق تُعتبر “غير محبوبة” سياسيًا أو ثقافيًا تحصل على دعم أقل بنسبة 30% مقارنة بالمناطق الأخرى، وهذا التحيز في الاستجابة الإنسانية يعكس تآكلًا خطيرًا في قيم التضامن العالمي.
من الناحية النفسية، الشماتة تعكس ضعفًا داخليًا أكثر مما تعبر عن قوة، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا عام 2018 أن الأشخاص الذين يظهرون مشاعر الشماتة بشكل متكرر يعانون من مستويات مرتفعة من التوتر والقلق، وكأنهم يحاولون تعويض شعورهم بالنقص عبر التهكم على معاناة الآخرين، وهذا السلوك ليس فقط غير إنساني، بل يترك أثرًا سلبيًا على الشخص نفسه، حيث يُعزز من عزلته الاجتماعية ويقلل من قدرته على بناء علاقات صحية.
على الجانب الآخر، الكوارث الطبيعية أثبتت أنها لحظة يمكن للبشر فيها أن يرتقوا إلى أعلى مستويات الإنسانية، فالتاريخ مليء بقصص التضامن التي تجاوزت الحدود والاختلافات، ففي عام 2010، عندما ضرب زلزال مدمر هايتي، تدفقت المساعدات من جميع أنحاء العالم، حيث أظهرت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن أكثر من 60% من المساعدات جاءت من دول لم تكن لها أي علاقة سياسية أو اقتصادية بهايتي، بل كان الدافع الوحيد هو الشعور الإنساني المشترك.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن تكون الشماتة مبررة في أي سياق؟ الإجابة من الناحية الأخلاقية والإنسانية هي لا، فمهما كانت الاختلافات بين البشر، فإن الكوارث هي لحظة للتكاتف وليس للتفريق، الكوارث الطبيعية تكشف هشاشتنا كبشر أمام قوة أكبر، لكنها أيضًا فرصة لإظهار قيمنا الحقيقية، فالشماتة ليست فقط جريمة أخلاقية ضد الضحايا، بل هي خيانة للإنسانية ككل.