مواكبة التطورات التقنية في الإنتاج الإعلامي
الترند العربي – متابعات
شهد الإنتاج الإعلامي تطورات هائلة عبر العصور، بدأت باستخدام الورقة والقلم كأدوات أساسية لتوثيق المعلومات ونشرها، وصولًا إلى التحولات الرقمية التي شهدناها اليوم. ما كان يومًا مجرد نصوص مطبوعة في الصحف، تحول إلى محتوى متكامل يتنوع بين الفيديوهات التفاعلية والبث المباشر عبر الإنترنت. هذا التحول الجذري لم يكن ليحدث دون الابتكار التكنولوجي، الذي غير الطريقة التي ننتج ونتلقى بها المحتوى الإعلامي.
من خلال التكنولوجيا، أصبح من الممكن الوصول إلى ملايين الأفراد حول العالم بلمسة زر، مع تقديم تجارب غامرة تعزِّز من التواصل الفعّال. إذ تُعتبر التكنولوجيا اليوم القوة المحركة التي تعيد تشكيل صناعة المحتوى الإعلامي في كل جوانبها، بدءًا من كيفية إنتاج المحتوى وصولًا إلى طريقة توزيعه وتفاعله مع الجمهور.
الذكاء الاصطناعي وصناعة المحتوى الإعلامي
أتاحت التقنيات المتطورة تسهيل عملية الإنتاج والارتقاء بجودة المحتوى بكل أنواعه، فبات إنتاجه بأسلوب احترافي مستعينًا بالذكاء الاصطناعي لتحليل المعلومات متاحًا بشكل كبير، بينما يتم تسجيل الصوت بجودة فائقة وإنتاج الفيديوهات بأساليب متقدمة تضمن التفاعل الأمثل مع الجمهور المستهدف، مما يسهم في خلق تجارب إعلامية متكاملة وشاملة. فوفقًا لدراسة أجرتها شركة Deloitte عام 2020، الذكاء الاصطناعي بات يلعب دورًا رئيسيًا في تحليل البيانات الضخمة وتخصيص المحتوى بما يتناسب مع اهتمامات الجمهور. تتيح هذه الخوارزميات للمؤسسات الإعلامية تخصيص الرسائل بشكل أكثر فعالية، ما يسهم في زيادة التفاعل وتعزيز الولاء للعلامة التجارية. على سبيل المثال، تعتمد منصات مثل Netflix على الذكاء الاصطناعي لتحليل سلوك المستخدمين وتقديم توصيات دقيقة، مما يوفر للشركة ما يصل إلى مليار دولار سنويًا من خلال تحسين كفاءة توجيه المحتوى.
توظيف الواقع المعزز (AR) والإعلام الحديث
أصبح الواقع المعزز AR)) من الأدوات الرئيسية في تطوير التجارب الإعلامية، حيث يشير تقرير صادر عن PwC في العام 2021، نحو أنَّ استخدام تقنيات الواقع المعزز يُسهم في تعزيز التفاعل مع المحتوى، حيث يمكن للجمهور استكشاف القصص الإخبارية بشكل مرئي ثلاثي الأبعاد أو المشاركة في تجارب إعلانية مبتكرة. على سبيل المثال، تستخدم بعض الشركات الإعلامية الواقع المعزز لعرض الخرائط التفاعلية أثناء البث الحي، مما يسمح للمشاهدين بالتفاعل بشكل أكبر مع المحتوى.
استخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) في الإنتاج الإعلامي
الطائرات المسيرة أو “الدرونز” باتت عنصرًا حيويًا في تصوير الأحداث الإخبارية والأفلام الوثائقية، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها. فوفقًا لدراسة تنتمي لجامعة كولومبيا البريطانية عام 2022، أكَّدت أنَّ استخدام هذا الطائرات المسيرة قلل من تكاليف التصوير بنسبة 30%، وزاد من إمكانيات الحصول على لقطات مميزة بزوايا غير تقليدية، أسهم بشكل كبير في تحسين جودة التغطيات الإعلامية في مناطق النزاعات والكوارث الطبيعية. وتوافقت نتائج دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا عام 2019 أرشدت نحو ذات الإطار، حيث أنَّ استخدام هذه التقنية من التصوير في إنتاج الأخبار يمكن أن يخفض من التكاليف التشغيلية بنسبة 25%، مع تحسين جودة التغطية من خلال زوايا جديدة ومتنوعة. ومع ذلك، الدراسة حذرت من مخاطر انتهاك الخصوصية والاعتبارات القانونية المتعلقة باستخدام الطائرات المسيرة في المناطق المأهولة.
تحديات وفرص الإنتاج الإعلامي أمام الذكاء الاصطناعي
على الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها هذه التقنيات، هناك تحديات تتعلق بالتحيز الرقمي ونشر المعلومات المضللة، دراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2021 أشارت إلى أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد تساهم في تعزيز “فقاعات المعلومات” التي تحصر المستخدم في دائرة ضيقة من المحتوى الذي يتوافق مع قناعاته الشخصية. هذا التحيز قد يحد من التعددية الفكرية ويؤثر سلبًا على مستوى الوعي الثقافي لدى الجمهور.
كيف ستؤثر هذه التقنيات على مستقبل صناعة الإعلام؟
التطورات التقنية في الإنتاج الإعلامي تفتح أبوابًا جديدة للإبداع والابتكار، لكن تبني هذه الأدوات يتطلب مستوى عالٍ من الوعي بالفرص والتحديات على حد سواء. على سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2020 أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام قد يزيد من الكفاءة بنسبة تصل إلى 40%، لكنه في الوقت ذاته يضع عبئًا على صانعي المحتوى لضمان نزاهة الخوارزميات المستخدمة وتجنب التحيُّز في تقديم المعلومات.
من ناحية أخرى، أشار تقرير صادر عن المعهد الدولي للصحافةIPI) ) عام 2021 نحو أنَّ الواقعين المعزز والافتراضي يمكن أن يسهما بدورهما في رفع مستوى التفاعل مع الجمهور بنسبة تصل إلى 60%، ولكن التقرير نبه أيضًا إلى أن هذه التقنيات قد تخلق فجوة معرفية بين الفئات التي تمتلك الوصول إلى هذه الأدوات المتقدمة وبين الفئات التي تفتقر إليها، مما يعزز الفجوة الرقمية.
ختامًا، يبقى الإنتاج الإعلامي دراسة وفنًا مجالاً تجول فيه المستحدثات، مواجِهًا تحديات تتجدد في ظل ثورة تقنية ذات تأثير كبير، لكنَّ التعمُّق في إنتاج المضمون سيكون سبيلاً لاحتواء تقنيات ذات خطى متسارعة، وتمهيدًا لتعزيز العمل الإعلامي وتطويره، وخلق فرص مستدامة تضمن استمرار تطويره والتنافس فيه.