ما ينبغي أن تشاهد؟ مقابلة نارية مع “أورسون ويلز”
ريتشارد برودي
ترجمة: علي زين
في فبراير عام 1982، كان أورسون ويلز في عمر السادسة والستين ولم يكن قد أتم أي عمل سينمائي درامي منذ فيلمه “F for Fake” “م تعني مزيف” الوثائقي الخيالي عام 1973. كان في فرنسا ليتم تكريمه بوسام قائد جوقة الشرف، وأثناء تواجده هناك؛ زار هيئة السينما الفرنسية “سينيماتيك فرانسيه” لإجراء جلسة سؤال وجواب مع طلاب السينما. قام بيير أندريه بوتانج وجي سيليجمان بتنظيم الحدث؛ والفيلم متاح للمشاهدة مجانًا على موقع هيئة السينما الفرنسية على الويب، وهو عبارة عن صورة مؤثرة للأسد السينمائي الحبيس “الذي توفي عام 1985 دون تصوير أفلام أخرى”، ومجموعة دائمة من الدروس الفلسفية حول فن صناعة الأفلام وممارسته.
أعرب ويلز عن رغبته في أن تكون الجلسة حوارًا؛ بيد أن الطلاب “الذين شكلوا حشدًا يملأ القاعة” كانوا متحفظين، وقام بجهود كبيرة بروح الدعابة لجعلهم يشاركون، ومن ثم قدم إجابات سخية وشاملة ومفتوحة تجاه أسئلتهم القصيرة. أدار الحوار هنري بيهار، الذي كان أيضًا المترجم على المسرح. الوقت الذي يستغرقه بيهار لتكرار تصريحات ويلز بالفرنسية “وأحيانًا لترجمة أسئلة الطلاب إلى الإنجليزية” أضفى إيقاعًا طبيعيًا على النقاش، من خلاله تمكن ويلز من أن يجمع أفكاره ببراعة في الخطاب ويمنحها وزنًا دراميًا وتوقيتًا كوميديًا. ويلز، الذي كان واحدًا من أعظم الممثلين والمخرجين، يحول الحدث إلى أداء فني، دون التضحية بشيء من الصدق. إنه يضيف مأساة شكسبيرية عظيمة وكوميديا إلى هذه المناسبة التي حضرت دون إعداد مسبق.
غير أن استياءه من رغبة جميع الطلاب تقريبًا في أن يكونوا مخرجين ينبع من رأيه المعلن بأن دور المخرج أمر نبالغ في تقديره. إنه يعتقد أن هناك إفراطًا كثيرًا في تقدير كتّاب السيناريو، لسببين، الأول، لأن الأفلام ليست بحاجة لسيناريوهات “يمكنك صنع فيلم رائع عن لا شيء، انظر إلى فيلم فيليني”، والثاني، لأن كاتب السيناريو يعمل بمفرده، مثل الروائي، بينما “كل شيء في عمل المخرج يتعلق بالعمل مع العديد من الأشخاص واستخراج أقصى إثراء إنساني من كل واحد منهم”. الأشخاص الذين يجب على المخرج استخراج إبداعهم، فوق كل شيء، هم الممثلون، الذين يعتبرهم ويلز العنصر الأهم في الفيلم. “إنهم الأشخاص الذين جعلوا السينما لا تُنسى”، يقول ويلز، ووظيفة المخرج هي “اكتشاف شيء أكثر مما كان يعرفه الممثل عن نفسه”. في الوقت ذاته، يحرص ويلز على تمييز الممثلين عن النجوم: “النجم الحقيقي هو كائن مختلف تمامًا عن الممثلين. قد يكون هو/ هي أعظم ممثل في العالم، ولكنه ليس مثل الممثلين. مهنة النجم تختلف عن مهنة الممثل. إنها قريبة جدًا من الرغبة في أن تكون رئيسًا للولايات المتحدة”.
المخرجون الجيدون، وفقًا لويلز، هم الذين يرون مَن “الممثلين” وما “الأماكن والديكور” أمامهم وهم “أذكياء بما يكفي لتصوير ذلك”. يقول إن “وظيفة المخرج هي اختيار ما يراه وإلى حد ما، بناءه، لكن الكثير مما يتم التصفيق له كإبداع هو ببساطة موجود هناك”. يقارن المخرج “الذكي” بالمخرج “المفكر” “عدو جميع الفنون الأدائية”؛ ويشعر بالقلق من أن طلاب السينما يشاهدون الكثير من الأفلام وأن أساتذة السينما يعرضون لهم الكثير منها. ويعتقد أن الإلهام يأتي من رؤية الأشياء برؤيتك الخاصة، وليس كما يراها المخرجون الآخرون، ويكره، قبل كل شيء، “الثناء الفني”، وهو الإشارة في الأفلام إلى أفلام أخرى.
طوال الحديث، يتطلع ويلز بشغف إلى المستقبل، حيث يذكر الأفلام التي يخطط لصنعها. عندما سُئل عن إرثه، نظر إلى المستقبل بدلاً من ذلك: “أشعر بالشباب والسعادة وجاهز لصنع أفلام”. بالإضافة إلى “الملك لير”، كان يعتزم إكمال أفلامه “دون كيشوت” و”الجانب الآخر من الرياح”. “لم ينجح في ذلك؛ أنهاها آخرون بعد وفاته”. كما خطط لصنع فيلم مقتبس من رواية لإيزاك دينيسين وقصة كتبها عن “السياسيين الأمريكيين”. “عندما سئل عما إذا كانت عن ريجان، سخر ويلز قائلًا: لا يوجد ما يكفي هناك لفيلم طويل”. يتحدث ويلز بحماس عن الفيديو ويتطلع إلى استخدامه “لبدء شكل جديد تمامًا”. يقول: “أنا أحب مظهر الفيديو كثيرًا… وأحب السيطرة التي لدي على الألوان والعديد من الأمور الأخرى”. “يتحدث أيضًا عن تجربة الوحدة التي لا مفر منها، “الوحيدة”، لمشاهدي الأفلام، كما لو كان يتوقع تجربة مشاهداتهم الخاصة المائلة لمجرى الحياة”.