كيفية تصوير الحرب
رالف علواني
ما هي القضايا التي يثيرها التصوير في مناطق النزاع؟ منذ إنشائه في 1939، أخرج المجلس الوطني لأفلام كندا أفلام متعددة متعلقة بموضوع الحرب، من تقاريره عن ساحات الحرب في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية إلى الأفلام الوثائقية عن الخطوط الأمامية لحرب فيتنام، والمجاعات في إفريقيا، والإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك، والصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. الشيء المشترك الذي يجمع هذه الأشياء معاً: كيف تصور الحرب؟
إلى أي مدى يجب أن تكون قريباً قبل أن تبدأ يدي مشغل آلة التصوير بالارتعاش؟ هذه الكلمات تفتتح الفيلم القصير التعليمي هيدلاين هنترز «Headline Hunters» التي أنتجه المجلس الوطني لأفلام كندا في عام 1945. رواه تومي تويد ولورن جرين «بطلة مسلسل بونانزا «Bonanza» وسلسة حرب النجوم غالاكتيكا «Battlestar Galactica»، هذا الدفاع عن الصحافة الحربية والعلاقات العامة العسكرية كان متوافقًا تمامًا مع الأمر التوجيهي الحالي الخاص بالمجلس الوطني لأفلام كندا والذي تم إصداره منذ ست سنوات.
آنذاك دعم المجلس الوطني لأفلام كندا الجهود الحربية بأشكال مختلفة من التقارير الوطنية في تلك السنة التاريخية عند استسلام دول المحور في روما وبرلين وطوكيو. فما هي الطريقة الأفضل لإبراز دور «وفي المقام الأول فعالية وبطولة» السلطة الرابعة «الصحافة» في مناطق الحرب؟
فيلم العودة لفيمي «Return to Vimy»
ولكن لنكن صريحين، «مشهد» الحرب يدين بالكثير لوسائل الإعلام. شهدت التكنولوجيا الصناعية العسكرية والتكنولوجيا السمع بصرية تطورات مذهلة عبر السنين، وهذا بدوره أدى إلى تغيير كبير في كيفية «شن» الحرب وكيفية توثيقها وتسجيلها وإعادة إنشائها وحتى إنشائها. فعلى سبيل المثال، نستطيع الآن تعزيز العنصر البشري في الحرب عن طريق الواقع الافتراضي. «يمكننا الواقع الافتراضي من مشاهدة قصتنا الخاصة. ولكنني لن أظهر أبدًا الحروب الحقيقية في الواقع الافتراضي، لأنه قد يسبب بعض الأضرار والصدمات الجسيمة»، يشرح كريم بن خليفة، مصور الحروب «الذي غطى الصراعات منذ أن شق طريقه إلى يوغوسلافيا السابقة» ومبتكر عرض الواقع الافتراضي التفاعلي العدو «The Enemy».
التجربة التفاعلية لعرض الواقع الافتراضي العدو «The Enemy»
وفي الوقت الراهن، في عصر الطائرات المسيرة الموجهة بالخوارزميات وما يسمى «بالحروب النظيفة»، لا تزال مناطق الصراع تعج بطواقم الأفلام والصحفيين والمخرجين الوثائقيين من جميع أنحاء العالم الذين يجعلون من ساحة المعركة وقضاياها محور عملهم. المخرج من مونتريال جوليان فريشيت هو واحد منهم.
الفيلم الوثائقي حربي «My War»
الفيلم الوثائقي حربي «My War»، لجوليان فريشيت، مقدم من المجلس الوطني للسينما في كندا. عرض جوليان نفسه لمخاطر ساحة الحرب، ليصور الفيلم الوثائقي حربي «My War» مع المصور السينمائي أرنو بوكيه، لكنه أيضًا قدم ملاحظات أقل إبهارًا: الحرب هي معظمها حول الفترات الطويلة المقلقة من الهدوء بين الانفجارات، ولحظات التأمل الذاتي المترتبة على ذلك.
الكاميرا والميكروفون والذراع الحامل للميكروفون
في عام 2014، توجه جوليان إلى كردستان العراق، بينما كانت مجموعات داعش المسلحة تهاجم موصل في العراق. أخرج جوليان الفيلم الوثائقي بعنوان كردستان، شاءت أم أبت «Kurdistan, by will or by force» بتمويل من مجلس الفنون في كندا «Conseil des arts»، وجمعية تنمية المؤسسات الثقافية «SODEC»، وقناة الأخبار الكندية الفرنسية «RDI». وبينما كان هذا الصراع محتدمًا، وجد جوليان أن المقاتلين الغربين في كلتا روج آفا «كردستان سوريا» والعراق بدأوا في الانضمام إلى «وحدات حماية الشعب YPG»، الجناح العسكري من حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، والذي نظرت إليه تركيا على أنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني «PKK» الذي كان يحارب داعش وغيرها. في الواقع، قواتهم كانت مكونة مما يقارب من 40% من النساء، كما هو موضح في الفيلم الوثائقي للمخرجة زين أكيول لعام 2016 بعنوان جولستان، أرض الورود «Gulîstan, Land of Roses».
الفيلم الوثائقي بعنوان جولستان، أرض الورود «Gulîstan, Land of Roses»
يوثق جوليان في فيلمه الصمت من الذهب «Silence Is Gold» المصدر في عام 2012 المعركة التي خاضها المؤلف آلان دينولت ودار نشر كتابه «Écosociété»، ضد عمالقة التعدين باريك جولد وبانرو بعد نشر كتاب كندا نوار «Noir Canada» الذي تم نشره في عام 2008. في عام 2017، جوليان قرر العودة إلى كردستان لتغطية انضمام المقاتلين الغربيين إلى المقاومة الكردية والميليشيات المناهضة لتنظيم داعش.
كنت قد قدمت للمجلس الوطني لأفلام كندا عدة أفكار لصناعة أفلام عنها، ثم قررت أن أعيد النظر لموضوع المقاتلين الأجانب. أردت أيضًا أن أراجع تأملاتي الخاصة بعد عودتي من كردستان. كانت تلك تجربتي الأولى مع المعاناة البشرية، شعرت عندها بالعجز. كل ما أنتجه الظلم في النهاية هو إحداث صدمة. أردت أن أرى إذا تمكنت عملية «اتخاذ الإجراءات» و«المتابعة حتى التوصل إلى نتيجة» من التخفيف عن ذلك الشعور بالعجز.
استخدم جوليان شبكات التواصل الاجتماعي لإعادة التواصل مع مقاتل غربي كان قد قابله في كردستان، وقابل أيضًا مقاتلين آخرين على فيسبوك: هانا بوهمان، مواطنة في كولومبيا البريطانية، و«والي»، أحد سكان كيبيك وقناص سابق في الفوج الملكي 22e. توجه جوليان بعد ذلك للميدان، وهو يوظف عملية وصفها بالفرنسية على أنها «cinéma d’accompagnement». حيث استكشف ساحة الحرب على دفعتين لمدة أربعة أسابيع، حاملًا معه فقط الكاميرا وميكروفون والذراع الحامل للميكروفون، حتى بدون ارتداءه لسترة مضادة للرصاص، ويرافقه بوكيه «وأحيانًا خالد سليمان، وهو صديقه الكردي من كيبيك والذي عمل كمترجم فوري».
خلال رحلته الأولى لكردستان في عام 2004، أطلق قناص النار عليه في منتصف الليل عندما خرج لقضاء حاجته. في هذه الرحلة، اقترب جوليان من الأحداث الخطرة مرة واحدة فقط، خلال اليوم الأخير من التصوير.
بعد بدأ حرب ما، تصبح تلك الحرب الوضع الطبيعي للجميع. وتبدأ الكراهية من الشخصيات البارزة بإشعال نيران الكراهية في قلوب الشعب. في الحقيقية، لم أفكر في بادئ الأمر أن أجعلها مهنتي. كان هناك قصف في اليوم الأخير، لكن لم يشعر أحد بالذعر، لذلك لم يكن هناك أي تأثير مضاعف.
الجميع لديهم أسبابهم الخاصة
يفتتح فيلم جوليان الوثائقي بمشهد جنازة في الوطن، ليظهر مباشرة أن خسارة الأرواح حقيقية وملموسة، وأنها تعمل على تبرير الفعل وإدانته. ندرك أن هانا تدفعها الرغبة في الانتقام التي تنمو مع كل فيلم تصوره في الصفوف الأمامية، والذي يدمجه جوليان بعد ذلك في فيلمه الوثائقي. فهو يقول:؛ «حدث معظم تصويري في العراق. بينما توفر فيديوهات هانا نظرة ثاقبة لما يحصل في سوريا. تشعل تركيا الصراع من جديد عبر حربهم مع الأكراد. عند تواجدنا في القامشلي «في كردستان سوريا»، رأينا وسمعنا الأتراك وهم يرمون القنابل على المدن الكردية. لكن لم نسمع في أي مكان في وسائل الإعلام أن تركيا كانت تشن حربًا داخليةً ضد الأكراد. فعندما أصبحت هانا صديقة للأكراد، أصبحت في ذات الوقت عدوة للأتراك.
في حين أن «والي» كان لديه خبرة سابقة في ساحة المعركة يصرح في الفيلم الوثائقي «حربي» قائلًا: «لم أعد جنديًا، لكني ما زلت أشعر بأنني جندي»، كانت هانا بوهمان حالة غير عادية: امرأة مدنية في الأربعينيات من عمرها، تقرر الانضمام إلى المليشيات من أجل المشاركة في القتال ضد داعش. توضح هانا أن ردة فعل عائلتها «لخيارها» بشكل سيئ للغاية، وخاصة ابنتها، التي اعتقدت أنها أصيبت بالجنون.
«المنبوذين اجتماعيًا والكاذبين والمرضى النفسيين»
وعندما وصل جوليان إلى العراق، التقى بصديقه المترجم الفوري خالد سليمان، الذي ساعده في التواصل مع المقاتلين. خلال جولة استطلاعية، اكتشفنا قاعدة أخرى تضم بعض المقاتلين الغربيين. هذا هو المكان الذي التقينا فيه بتيري «مقاتل من فرنس».
الفيلم الوثائقي حربي «My War»، مقدم من المجلس الوطني للسينما في كندا
خلال لحظة من الهدوء في الفيلم الوثائقي، اعترف تيري بقوله «داعش مجرد عذر. تذهب «لتقاتل» لتملأ فراغ في داخلك. لتجد معنى في تلك اللحظة من حياتك». ثم يلاحظ أن هذه الحرب قد جلبت مجموعات من المنبوذين اجتماعيًا والكاذبين والمرضى النفسيين. لكن لجوليان وجهة نظر معتدلة «لدى الجميع أسبابهم الخاصة للقتال في الحرب. على سبيل المثال، كانت هناك مجموعة من الجنود السابقين الذين لم يتمكنوا من ترك القتال في الحرب والعودة لحياتهم».
خلال الفيلم يحصل المرء على الانطباع بأن جوليان لا يسجل الصراع بقدر ما أنه يسجل المفارقات الناشئة عن موقف معقد الظروف التي يشعر فيها الناس أنهم قادرون على القيام بشيء مفيد، حتى لو اضطروا في بعض الأحيان إلى مخالفة قناعاتهم السياسية.
البعض من جنود الولايات المتحدة السابقين يدعمون ترمب بشكل علني، ولكنهم يذهبون لكردستان وينظمون للمنظمات الذين لديهم فلسفات مختلفة تمامًا عن فلسفاتهم. ينتهي الأمر بمقاتلة البعض منهم جنبًا بجنب مع الجماعات اليسارية المتطرفة مثل وحدات حماية الشعب.
جوليان فريشيت «الصورة التقطت من قبل: فريديريك مينارد-أوبين»
جوليان متيقن بأن السلطات الكندية على دراية تامة بتوجه الجنود السابقين والمدنيين لخارج البلد. ولكن عند وصولهم يجد العديد من المقاتلين الغربيين أنفسهم متفاجئين وفي بعض الأحيان محبطين عند رؤيتهم أن رغبتهم في القتال لا تتوافق دائمًا مع رغبات الميليشيات المناهضة لداعش. يشعر جوليان أن الغربيون لا يحدثون فرقًا حقيقيًا على أرض الواقع، بل غالبًا ما تثير مشاركتهم مشاكل.
دور المخرج
خلال محادثة مع جوليان، سُئل عن رد فعل أحد منتجيه عندما ذهب للتصوير في منطقة نزاع، فأجاب بأنها طلبت منه ببساطة «توخي الحذر». ومثل كريم بن خليفة، الذي جمع إفادات من الشرق الأوسط والكونغو والسلفادور لإنشاء عرض الواقع الافتراضي العدو «The Enemy»، كان على جوليان أن يقوم ببعض أعمال التوعية المسبقة مع منتجه ومع مصادر صحفية و«وسطاء».
المنتجة العاملة مع المجلس الوطني لأفلام كندا كوليت لوميدي لبقة وبليغة على الهاتف. هي التي وافقت وساعدت على صنع الفيلم الوثائقي حربي «My War»، لكنها أنتجت أيضًا الفيلم الوثائقي بعنوان جولستان، أرض الورود «Gulîstan, Land of Roses» وهو أول مشروع لها يتم تصويره في منطقة صراع. بالنسبة لها، لم يكن لجاذبية العمل على فيلم جوليان وتوجيهه أي علاقة بفكرة أن ينتهي الأمر بها في منطقة حرب. «إن ذلك مجرد مشهد الحدث؛ تشرح قائلة: «الشخصيات هي الموضوع الحقيقي»، مؤكدة أنها سعيدة بأسلوب جوليان وتوجهه».
وبعد تحديد أن منطقة الصراع هي «العائق»، اتخذ جوليان وكوليت كل الاحتياطات الممكنة. «لقد بنينا نهجنا على كيفية تغطية الصحفيين لكل شيء على المستوى الدولي. الطريقة الوحيدة لتجنب العقبات هي التأكد من أن لديك مصادر موثوقة ووسطاء جيدين. وتضيف أنها لم تكن لتوافق أبدًا على العمل في مشروع لمخرج أراد أن «يلعب دور الشخصية المتهورة»: «لقد حاولنا تجنب التصوير بطريقة دراماتيكية لخلق الإثارة ونشر البروباغندا. وقد تم تعيين النفقات الأساسية في الميزانية إلى التأمين الإضافي. لكن بوليصة التأمين الحقيقية هي عدم تعريض نفسك للخطر في المقام الأول.
تشعر كوليت أنه من المهم أن نفهم أن أطقم الأفلام ليست لوحدها في ميدان الحرب. فلا ينطوي التصوير في منطقة النزاع دائمًا على الاختباء خلف جدار والمخاطرة بحياتك. إنها تؤمن بشدة أنه يمكنك القيام بعمل جيد وتغطية القصص المهمة دون أن تكون لديك ميول انتحارية. وهي مصرة تمامًا عندما تقول: «إن ارتباط الحقيقة بالتعرض للخطر هو مجرد أسطورة».
المصدر: سوليوود