فوضى الأجور في العمل السينمائي
رجا العتيبي
لا أدري، ربما يكون الأمر إيجابيًا، أن أجور الممثلين، والمخرجين، والكتاب … إلخ في مجال السينما غير محددة، وغير معروفة، وتتغير بين هذا وذاك، وبين زمن وزمن، وتخضع بشكل تام للتفاوض، ليست مثل: المنتجات الاستهلاكية سعرها معروف، بل مكتوب عليها، فلا مجال للتفاوض، ولا مجال «للمكاسر» كما كان شائعًا في عقود مضت.
لهذا، ما الذي يحدد أجر ممثل ما بـ50,000 ألف ريال، في فيلم طويل، بينما في فيلم طويل آخر يكون أجره 80,000 ألف ريال، وربما في فيلم آخر 15,000 ألف ريال، وقس على ذلك لدى المخرج، والكاتب، وغيرهم من الأطقم الفنية. هل يعود ذلك إلى تفاوت مستواه؟ هل يعود إلى ميزانية الفيلم؟ هل يعود إلى رغبة الممثل بالمشاركة في هذا الفيلم، الأمر الذي يجعله يتنازل عن أجره الفعلي؟ هل هناك حسابات أخرى غير الأجر تتدخل في التفاوض، ويعمل لها الطرفان حساب؟ من غير المتوقع أن نحصل إلى إجابات وافية لهذه الأسئلة، ولا إجابات محددة، فبقدر أنها أسئلة مفتوحة، فإن الإجابات هي الأخرى ستكون مفتوحة، ومتنوعة، ومتعددة، وكذلك الحلول لن تجد حلاً محدداً يضبط فوضى الأجور، لأن وجهات النظر لا حد لها في هذه الموضوعات، ومصير النقاش حولها أن يفضي إلى جدل غير مفيد. سأسرد في الأسطر الآتية نقطتين لها علاقة بفوضى الأجور، وهما: ميزانية الفيلم، والنجومية المزعومة، أطرحها من وجهة نظري، ومن خلال التجربة الميدانية في هذا المجال، لا أطرحها إجابة نهائية، إنما وجهة نظر لا أقل ولا أكثر.
ميزانية الفيلم
ليس من حق الممثل أن يفاوض المنتج على حسب ميزانية الفيلم، بمعنى لو كانت الميزانية كبيرة، يطلب الممثل أجرًا كبيرًا، وإذا كانت قليلة يطلب أجرًا قليلًا، تحديد الأجر يعتمد على حجم الدور، وأهمية الممثل في الفيلم، ومدى موهبته، وقيمته المضافة، أما حجم الميزانية أيًا كانت فليست معيارً للتفاوض، وإن كان البعض من الممثلين «يحرص» أن يعرف الميزانية بطرقه الخاصة، وربما تلصص عليها من مصدر القرار، وهذا أمر ينافي أخلاق المهنة.
أفشل سؤال يوجهه الممثلُ للمنتج هو : كم ميزانيتكم؟ كم رصدتَ للممثل؟ ثم يبدأ «يتحكحك» عنده، ويقول: طيب، كم تعطوني؟ هذا الأمر ليس من شأن الممثل؟ بل لا يحق له أن يسأل هذه الأسئلة، التفاوض لا يكون على لا شيء، أعني كل شخص يريد من الآخر أن يذكر رقمًا للأجر
– أنت قل كم؟
– لا، أنت قل أول.
وهكذا، هذا تفاوض على لا شيء، التفاوض يكون بعد أن يبادر أحد الطرفين بتحديد رقمًا للأجر، بناء على معطيات العمل، ومعطيات الممثل، ثم يكون التفاوض على الرقم المعلن بين الطرفين، اتفقا، فبها ونعمت، أو اختلفا، فلا ضير، كلٌ منهما يذهب إلى حال سبيله، لا ضرر ولا ضرار، يغادران مع كامل الاحترام والتقدير لبعضهما البعض.
فوضى النجومية
تستولي النجومية على كل ممثل أو مخرج أو كاتب في مجال السينما، فقد شُغفوا بها حبًا هي هاجسهم، وجل تفكيرهم، وينتظر ذلك اليوم الذي يفاوض فيه المنتجين من منطقة النجومية، يحدد الأجر، ونوع التذاكر، وفئة الفنادق، يريد أن تكون له الكلمة الطولى، بدليل أن كل مَنْ مَثلّ في فيلم، قصير أو طويل، أو حصل على جائزة في مهرجان، ينتابه شعور النجومية، هكذا، حتى لو لم يقصد، يشعر أنه يبرق كنجم الشِعْرى، حتى لم يره أحد نجماً، هو يعد نفسه نجماً، أو يلح أن يكون كذلك.
الممثل الذي شعر بمشاعر النجومية، لا يهمه نوع وشكل وأهمية الفيلم الذي مًثلّ فيه دورًا، الأهم لديه أنه مَثلّ في فيلم طويل وكفى، أما المخرج فلا يهمه فيلمه الذي حصل بسببه على أفضل مخرج، هل فيلمه قيمة مضافة؟ لا يهم، هل أبدع في الإخراج فعلا؟ لا يهم، لا يهم كل ذلك، هو يحب فيلمه «على علاته» طالما نفذته نفسه التي يحبها كثيرًا، ويفرضها على الآخرين، وعلى الجميع أن يقولوا عنه المخرج الكبير.
هذه النجومية المزعومة، ستكون على موعد مع المنتج أن يتفاوض معها، إنه القدر الذي يجعله وجهاً لوجه أمامها، لا حول له ولا قوة، فالفيلم يحتاج إلى ممثلين، وكتاب، ومخرجين، وتخيل المشاهد الكوميدية، والتراجيدية التي تنشأ من هذا التفاوض «بين منتج ونجم مزعوم».
بالمناسبة، ما تعريف النجم؟
في تقديري، النجم نوعان:
النوع الأول: الممثل الذي «يجيب» إعلان، نقول عنه نجمًا. «فكر في أمثلة».
النوع الثاني: الممثل الذي ليس له بديل. أو ربما يكون له بديل واحد فقط «فكر في أمثلة».
أما الممثل الذي مثل في فيلمًا واحدًا، أو فيلمين، أو ممثل مخضرم له سنوات يكرر أدواره، وأداءه، وشخصياته، ويكون لهؤلاء الممثلين عشرة بدلاء، أو عشرين بديلًا، فلا يُعد نجمًا، حتى لو قال عنه نفسه ذلك، حتى لو تظاهر بذلك، حتى لو أجبرك أن تتعرف بأنه نجمًا. ولا يحق له أن يتفاوض مع المنتج من هذه المنطقة، وإن فعل وزاد في الكيلة، سيكون محل تندر.
كما تلحظون منذ سنوات قليلة جدًا، بدأ كثير من المنتجين يعتمد أكثر على الممثلين الجدد، والمخرجين الجدد، والكتاب الجدد، لأنهم لم يتلوثوا بعدوى النجومية المزعومة، وكذلك تفعل بعض أكاديميات التمثيل، وصناعة المواهب في عدد من المؤسسات المعنية بالدراما، والأفلام، وتصنع لها جيلًا ينتمي إليها، أظن ذلك حلًا معقولًا.
إذن، فليبادر أحد الطرفين بطرح رقم للأجر، يتفاوضان عليه، بعيدًا عن أي معطيات أخرى لا دخل لها بهذا التفاوض، مثل: حجم ميزانية الفيلم، أو النجومية المزعومة. فالسوق قائم على العرض والطلب، وليس على استدعاء أي معايير متكلفة بغرض التأثير على الطرف الآخر.
المصدر: سوليوود