ما بين الكوارث الطبيعية والحروب السيبرانية.. “اترك العالم خلفك” يحذر من نهاية كارثية!
هالة أبو شامة
يعد فيلم «اترك العالم خلفك – Leave the World Behind»، للمخرج سام إسماعيل، أحد أبرز الأعمال الأصلية لـ”نتفليكس” مشاهدة خلال هذه الفترة، وربما يرجع ذلك إلى ميل الكثيرين لمشاهدة أفلام الخيال العلمي التي تستعرض النهاية الكارثية للعالم. ورغم أن هذه النوعية من الإنتاجات دائمة التكرر، فإن صناعها غالبًا ما يبتكرون كوارث جديدة تدغدغ فضول البعض لمشاهدتها.
العمل تدور أحداثه حول أسرة تقرر بشكل مفاجئ الذهاب في عطلة بإحدى المناطق النائية، حيث يستأجرون منزلًا ريفيًا فاخرًا بمبلغ زهيد، إلا أنهم سرعان ما يكتشفون أن تلك المنطقة من الصعب وصول إشارات الهاتف والإنترنت إليها، وبعد ساعات قليلة يحل رجل وابنته ضيفين على هذه الأسرة ويطلبان المبيت لليلة واحدة بسبب انقطاع الكهرباء، إلا أن الأحداث سرعان ما تنقلب وتأخذ منحنى آخر.
أحداث غير منطقية
بداية الفيلم لم تكن هادئة، إذ شهدت حادثًا غربيًا بينما كانت الأسرة تستمتع بوقتها على الشاطئ، حيث استمرت سفينة نفط كبرى في الإبحار حتى شقت مساحة كبيرة من اليابسة، رغم الاحتمالات التي يمكن أن تتبادر في ذهن المشاهد خلال هذه اللحظة بشأن النتائج المترتبة على ذلك الاقتحام الغامض، إلا أن الأمر كان عبثيًا إلى حد كبير، فكيف لسفينة في هذا الحجم أن تدخل بكل قوتها لمسافة كبيرة بين الرمال دون أن تقع على جانبها أو تميل، وحتى تلك الاحتمالات ليست واردة الحدوث؛ إذ كان من المفترض أن تتوقف أو تنخفض سرعتها بمجرد أن يقل منسوب المياه الذي يسمح لها بالطفو والإبحار في الأساس.
من بين التساؤلات التي يمكن أن تتكرر في ذهنك أثناء المشاهدة، هو أين ذهب المصيفون في هذه القرية؟ لماذا لم نشاهد سوى العائلة المكونة من أربعة أفراد والضيفين و«داني» المقاول الذي ظهر في النهاية؟ فلم يحدث هجوم مسلح، ولا وباء يفتك بالجميع، فالشاطئ لم يكن فارغًا في المشهد الأول وإنما كان مأهولًا بالبعض.
تركيبة متنافرة
لقاء الأسرة بالضيفين كان مريبًا، فالأب «كلاي» هو أستاذ جامعي يدرس الإعلام ويتميز بالانفتاح، أمَّا الأم «أماندا» فهي تعمل في مجال الدعاية ولا تحب التعامل مع الناس ودائمة العبوس والشك والغضب، أمَّا ابنهما «آرتشي» فمراهق يتوق للتعامل مع الجنس الآخر، والابنة الصغرى تدعى «روز» وهي طفلة شبة منفصلة عما يدور حولها وكل ما تهتم به رغم ما حل بهم من كوارث هو مشاهدة الحلقة الأخيرة من مسلسل «فريندز»، بينما على الطرف الآخر نجد أن الضيفين اللذين تبين أنهما مالك المنزل وابنته، هما من ذوي بشرة سوداء.. الأب يتحدث بهدوء ودبلوماسية شديدة والابنة متمردة حادة.
رغم أن تلك التركيبة متنافرة كليًا، فإن صناع العمل تمكنوا من عمل خطوط درامية تسمح بخلق روابط تبرر تعايشهم مع بعضهم البعض، واتحادهم لمواجهة مصيرهم المجهول.
التلاعب بالحوار والتصوير
حتى منتصف الفيلم، تمكن المخرج بالتلاعب بالحوار بين الأسرة والضيفين وزوايا التصوير في المنزل، بطريقة تجعلك تشك في كل مشهد بأن الضيف جاء ليلحق الأذى بهم أو أنه قاتل استخدم المنزل كمصيدة لفريسته، لكن تتضح الأمور فيما بعد وتكتشف نيته الحقيقية.
طوال الأحداث، يلمح صناع الفيلم إلى أن انقطاع الاتصالات سببه عطل في الأقمار الصناعية، وربما تظن لفترة كبيرة من مدة العرض أن ذلك العطل حدث نتيجة كارثة طبيعة، خاصة بعد أن أكد الضيف أن ما يحدث حولهم أكبر من أي مخطط بشري، هذا بجانب التوظيف المتكرر لمشهد الأشجار الكثيفة والغزلان وأسراب الطيور وطائر الفلامنجو الذي اقتحهم حمام سباحة المنزل، بشكل يوحي بأن الطبيعة ثارت على البشر لتستعيد سطوتها التي سُلبت بفضل التقدم التكنولوجي السريع، لكن يأخذ السيناريو مسارًا آخر بعد أن يكثف الإسقاطات السياسية التي تؤكد أن تلك النهاية هي حرب سيبرانية شنتها بعض الدول والجماعات الكارهة لأميركا.
نهاية مفتوحة
جعل المخرج خيارات العدو مفتوحة ومحيرة، ففي البداية اتهم الطبيعة، ومن ثم ضلل المشاهد بمنشورات كُتب عليها بالعربية «الموت لأميركا”، ومن ثم قيام البعض باتهام إيران بأنها السبب، فيما قام آخرون باتهام الكوريين والصينيين بأنهم هم الغزاة، لكنه أوضح أن كل تلك الاحتمالات سببها الوحيد هو العداوات صنعتها أميركا على مدار سنوات طويلة.
لم يطرح الفيلم حلولًا لتلك الحرب سوى الاختباء في أماكن محصنة مليئة بالطعام، والتحلي بضبط النفس لعدم الانسياق وراء دعوات الكراهية والحرب الأهلية التي من شأنها أن تُضعف النسيج الداخلي للدولة.