1917
أمين صالح
يتميّز فيلم سام ميندِس “1917” بتصوير أحداثه في لقطة واحدة طويلة متواصلة “هكذا يبدو”، بكاميرا فيديو رقمية، تحت إدارة روجر ديكنز وهو واحد من أعظم المصورين في السينما العالمية اليوم، والذي صوّر العديد من أفلام الأخوين “كويْن” وذلك على غرار فيلم ألكسندر سوكوروف “الفلْك الروسي” 2002 و”فيكتوريا” 2015 للألماني سباستيان شيبر.
علمًا بأن هناك، في بعض الحالات، تدخّلًا للمونتاج في الانتقال من لقطة إلى أخرى، لكنه تدخّل خفيّ أو مموّه أو يكاد يكون غير ملحوظ.
طوال الفيلم نلاحظ الكاميرا “التي تبدو ذاتيةً حينًا، وموضوعيةً حينًا” وهي تتحرّك في منتهى البراعة وغاية الرشاقة والسلاسة، متابعةً، من الأمام ومن الخلف، الشخصية الرئيسية الجندي سكوفيلد “جورج ماكي” وجنديًا آخر، منذ أن تصلهما الأوامر بمهمة صعبة تقتضي اختراق خطوط القوات الألمانية لإيصال رسالة مستعجلة إلى قيادة سريّة من الجيش، في الجبهة، تخطط بعد ساعات قليلة لشنّ هجوم مباغت، تطلب منهم ضرورة إلغاء الهجوم لأن العدو اكتشف الخطة وأعد كمينًا، وسوف تحدث مجزرة قد يذهب ضحيةً لها المئات من الجنود البريطانيين.
إنها الحرب العالمية الأولى. الجبهة الفرنسية. وسكوفيلد ينتقل من مكانٍ إلى آخر، في سباق مع الزمن. وفي طريقه يصادف حوادث شنيعة ومرعبة؛ أرض محروقة، أسلاك شائكة، جثث متحلّلة، خندق ألماني مهجور لكن مفخّخ، ارتطام الطائرة بالأرض، مقتل رفيقه. وهو ينجو بأعجوبة من انفجار، يخوض نهرًا مليئًا بجثث جنود، يصل ليلًا إلى مدينة مهجورة تحترق، ويلتقي امرأة مع طفلها، ثم يشتبك مع العدو. إنها رحلة شاقة، مؤلمة، داخل الجحيم.. من خلالها نشهد فوضى الحرب وعنفها ووحشيتها.
هذا الفيلم، المنجز في عام 2019، حاز سبعًا من جوائز بافتا “الأكاديمية البريطانية” من بينها جائزة أفضل فيلم ومخرج. كما حاز جائزة جولدن جلوب كأفضل فيلم. وهو إنجاز مدهش، يتّسم بالدقة في تصميم المناظر وتحريك المجاميع والتفاصيل الصغيرة. السيناريو كتبه ميندس مع كريستي ويلسون كيرنس، وهو مستمد من أحداث واقعية رواها جدّه الذي شارك في الحرب كجندي.
توظيف المخرج للّقطة الطويلة المتواصلة أثار الكثير من الجدل والخلاف بين النقاد. البعض انتقد هذا التوظيف، ورأى فيه تصنّعًا وتكلّفًا، وأن اللقطة تلفت الانتباه إلى الكادر نفسه وليس ما يوجد داخل الكادر، وأنها لا تخلق علاقة حميمة مع المتفرج.
بينما أشاد البعض الآخر بهذا التوظيف واعتبره إنجازًا فنيًا رائعًا، ورأوا أن اللقطة المتواصلة تجلب مستوى إضافيًا من الواقعية، وأنها تمثيل زمني ومكاني أكثر واقعية للعالم الحقيقي.
سام ميندس كرّس نفسه كمخرج بارز ومهم منذ فيلمه الأول “الجمال الأميركي” 1999 الذي فاز بعدد من جوائز الأوسكار وغولدن غلوب.