سيكودراما بعنوان “السجين”
نرمين يُسر
تبدو السينما العربية تتبع نفس المخطط لأفلامها، حيث تعرض في كثير من الأحيان قصة عائلة تستقر في منزل جديد لتكتشف أنها عائلة مبتلاة بالجن، أو رجل يبحث عن الثروة ويعقد صفقة مع هذه الكائنات الخارقة للطبيعة، أو العكس في تجسد الجن لمعاقبة أولئك الذين لم يحترموا الالتزام بالصفقات كما في فيلم، ونتيجة لذلك يبدو الرعب وكأنه نغمة متكررة.
في أحدث أفلام للرعب نجد فيلم المخرج محمود كامل «السجين»، وتدور قصته حول عائلة تبحث عن الراحة في منزلها الجديد على أمل الهروب من الذكريات المؤلمة، ولا يدركون أن الفظائع التي سيواجهونها في المنزل الجديد سوف تتفوق على أي ألم عانوا منه من قبل.
تأتي افتتاحية الفيلم بمشهد لرجل في منتصف العمر يطلق الرصاص على امرأة من ظهرها، حيث تحاول المرأة بطريقة يائسة للهروب زحفًا إلى مكان آمن بعيد عن مرمى رصاصات الرجل، لكنه يلاحقها ويقتلها بالرصاصة الأخيرة، ثم يحاول استخدام رصاصة أخيرة أخرى يُنهي بها حياته، لكن فات الوقت ونفدت رصاصاته لينظر إلى لوحة لرجل يكبره عمرًا، ومن ثم يغمر ملابسه بالزيت ويشعل في نفسه النار من بعدها ولا ينطق الرجل بكلمة قد تعبر عن كونه مسكونًا، ولكن دار المشهد بصمت تام.
ننتقل إلى العائلة، بطلة الأحداث، حيث يصلون إلى منزلهم الجديد وهم روان «إلهام علي» وزوجها عمار «خالد صقر» وابنتهما الطفلة ريم «ريم عبدالقادر». في الواقع يبدو أن ابنهما توفي في المستشفى بالرغم من أن لا أحد من أفراد العائلة صرح بذلك بوضوح، لكن أفعالهم تدل على فقد كبير في حياتهم، إلا أن نظرة عيني روان إلى عمار توحي بأنها تحمّله الذنب، فنلاحظ أن العلاقة بينهما متوترة وبعيدة، في إشارة إلى ابتعادهما جسديًا وانتهاء العلاقة الحميمية، وعدم قدرتهما على مواساة بعضهما البعض قد خلق صدعًا عميقًا في علاقاتهما، وتتفاقم هذه المسافة العاطفية بسبب توبيخ روان القاسي لابنتها مع عدم تدخل عمار للتخفيف من حدة الموقف.
وفي عملية استكشاف لغرف ومخازن المنزل، يعد اكتشاف اللوحة المخفية خلف الستائر القديمة لحظة محورية في السرد، حيث يشير إعجاب روان وانجذابها كالمسحورة وإصرارها على تعليقها في غرفة المعيشة إلى ارتباط لا يمكن تفسيره نشأ بينها وبين اللوحة الزيتية، ويعزز هذا الإحساس بارتباطها بطريقة ما هو الاستماع إلى الهمسات والغمغمات للمهرجين، واللقطات الغامضة المثيرة للخوف غير المبرر مما يخلق حالة من القلق والتوتر النفسي في أرجاء المنزل؛ يؤكد ذلك أن اللوحة تحتوي على كيان شرير.
ومع تقدم القصة تقع روان تحت سيطرة اللوحة من التلاعب بمشاعرها كلما نظرت تجاهها، حيث تعلقت روان باللوحة أكثر بعد البحث عن أصل الصورة على مواقع البحث جوجل، وأن اللوحة رسمت منذ مئة عام واسمها «السجين»، فيعرف عمار فيما بعد من مكالمة تلفونية مع خبير في عالم السحر والجان الذي حذره من مدى شر اللوحة، حيث سميت «السجين» لأنه قد حبس في إطارها الخشبي واحد من الجن الساحر، تتغذى اللوحة على رؤية الدم حتى تتحرر من إطارها. ومع ازدياد تأثير اللوحة يتلاشى الخط الفاصل بين الواقع والخارق للطبيعة في أحداث مرعبة يمتزج فيها الخيال والوهم مع ما هو حقيقي، فيظل عمار في صراع وهمي مع السجين الذي خرج من اللوحة، بينما تحتضن روان ابنها المُتوفى على فراش المستشفى!
يمكن قراءة فيلم «السجين» على أنه قصة رعب تقليدية عن عائلة تقع في شرك قوة شريرة، ومع ذلك يمكن تفسيره على أنه قصة أكثر تعقيدًا من السحر والجان، وأنها قصة حول الصدمات النفسية والألم غير المعالج.