ديانا في “ذا كراون”.. الحكاية ذاتها بسرد جديد
إيمان الخطاف
من الصعب انتقاد الليدي الراحلة ديانا سبنسر، فهي “أميرة القلوب”، والسيدة التي حزن لفقدها العالم أجمع، من ربة منزل في باريس، وخبّاز في لندن، ومحاسب في طوكيو، ومضيفة طيران في تورنتو، ومن كل بقعة جغرافية كان هناك من بكى على رحيلها، وكثيرون ما زالوا ينظرون إليها بمزيج من التعاطف والإعجاب.
ورغم كثرة الأعمال التي تناولت ديانا، آخرها الفيلم الممل “سبنسر” Spencer عام 2021، فإن الجزء الخفي من شخصيتها الهشة والمدمنة على الأضواء؛ ظهر بوضوح في مسلسل “ذا كراون” The Crown، بعد أن اكتملت حكايتها في الموسم السادس الذي عرضته “نتفليكس” قبل أيام، وتناول آخر ثمانية أسابيع من حياة ديانا، التي يعتبرها الكثيرون ضحية للمصورين، إلا أنها كان تحب التصوير وتستمتع بملاحقة جيش المصورين.
بحياد جيّد، تناول “ذا كراون” أزمات ديانا ودور الضحية الذي لطالما اقتاتت عليه، وجسدته ببراعة الممثلة الأسترالية إليزابيث ديبيكي، بنظراتها غير الاعتيادية وانفعالاتها الغريبة، فأميرة ويلز هي أقوى مثال معاصر للمرأة المتعطشة إلى الاهتمام والتعاطف. ويبدو ذلك جليًا في المشهد الأول من الحلقة الثالثة من الموسم السادس، عبر مكالمة تلقتها ديانا؛ تقول لها «نحن نسعى إلى تخليصك من إدمان الدراما وإثارة العواطف».
هذه النكشة الصغيرة التي تسبق مشاهد موتها تختزل كل ما حدث معها، وكل ذاك الجنون والتهور الذي كانت تصنعه إما من باب الانتقام أو هوسًا بالأضواء والإعلام، اعتقادًا أنها حين تفوز بكاميرات المصورين فإنها تكسب معاركها مع تشارلز والملكة والطبقة الحاكمة، ولم تكن تبالي بعواقب الأمور، مع تشجيع الجماهير الذين كان يحركهم الفضول لمعرفة خبايا القصر، والتشفّي بالعائلة الملكية.
ولا يعني ذلك الوقوف في صف تشارلز الذي حاول المسلسل تلميع صورته نوعًا ما، خاصة في الحلقة الرابعة من الموسم السادس، فهذا الرجل الأناني والبارد كقطعة ثلج كان طرفًا بائسًا في العلاقة ذاتها، ومن هنا قرر الانسحاب، كأي إنسان على وجه الأرض يقرر عدم الاستمرار في علاقة ما، ويختار علاقة بديلة يُكمل بها حياته. نعم، إنها قصة تتكرر ألف مرة يوميًا، لكن ديانا تاجرت بها إلى أقصى ما يمكن تخيله، رغم المكاسب الجماهيرية، والمبلغ الفلكي الذي كانت تستلمه سنويًا بعد الطلاق، والحياة المليئة بالترف.
كما سلط “ذا كروان” – في أجزائه السابقة – الضوء على الخطأ الفادح الذي ارتكبته ديانا حين ظهرت في لقاء تلفزيوني على قناة BBC مع الصحفي مارتن بشير “عام 1995” لتنتقم من الجميع بعد الطلاق، وتعلن أن زواجها كان ثلاثيًا «هي وتشارلز وعشيقته آنذاك كاميلا باركر»، في صورة هزيلة لامرأة محطمة ومتهورة، لم تستطع تجاوز الرجل الذي تركها، ولم تفكر في انعكاس ذلك على مشاعر ولديها.
ورغم رتابة سردية “ذا كراون” وبطء أحداثه، فإن ديانا كانت دائمًا هي الإيقاع الانفعالي الأكثر توترًا في المسلسل كله، والورطة التي حاولت العائلة البريطانية التكيّف معها أكثر من مرة بلا جدوى، وكأنها مراهقة مزعجة تستمتع بالتمرد، وتستغل سلاح الهوس الجماهيري بها في كل مرة، وتلعب بنار الشهرة بمتعة عجيبة، إلى أن أحرقتها في غمضة عين.
يُظهر المسلسل هذه الاضطرابات في طريقة تفاعل ديانا مع الأمور وتكرارها لذات الأفعال الطفولية، من ذلك الفستان الأسود الشهير الذي ارتدته عام 1994 ردًا على ما نُشر حول علاقة تشارلز مع كاميلا باركر، وعُرف باسم «فستان الانتقام»، لأن ديانا ظهرت به لتشتيت الناس عن قصة تشارلز وكاميلا، وارتدت ديبيكي فستانًا مطابقًا له في الموسم الرابع من المسلسل.
وتبدو المفارقة أن ديانا أعادت هذا التصرف بعد انفصالها بسنوات، حين قررت ارتداء ملابس البحر الفاتنة والخروج للمصورين، وذلك كي تسرق الأضواء من حفل ميلاد كاميلا باركر في عيدها الخمسين، وهو ما أظهره المسلسل في الموسم السادس، مما يعني أن ديانا استمرت في تصرفاتها الانفعالية حتى في آخر أيام حياتها، ومرور فترة كافية على انفصالها.
ورغم أن “ذا كراون” حاول أن يمسك العصا من المنتصف، فإنه لم يستطع مجاملة عشاق الأميرة الراحلة، فما زال شهود تلك الحقبة أحياء يرزقون. صحيح أن هذا العمل يبدو تاريخيًا، إلا أننا عشنا أحداثه وندرك الكثير منها، بالتالي من السهل فهم أطرف القصة واتجاه المعالجة الدرامية؛ ولذا نجح العمل في كشف الغمة عن أولئك الذين ضللتهم الصور الفاتنة واعتقدوا أن ديانا هي الملاك في القصة، وهو ما لم يكن.