هل رمسيس الثانى هو فرعون موسى؟
د.حسين عبد البصير
لا نعلم كأثريين على وجه اليقين من هو الفرعون الذى عاش فى عهده سيدنا موسى؛ كى نقول إن فرعون موسى هو الملك رمسيس الثانى على وجه التحديد. رمسيس الثانى هو فرعون المجد والانتصار والحرب والسلام، ونجم الأرض، وأشهر الملوك المصريين القدماء، وملأ الدنيا وشغل الناس. واعتلى عرش مصر وهو شاب صغير، ابن الخامسة والعشرين؛ كى يسطر أسطرًا من نور ومجد وعزة وفخار فى تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى القديم.
لم يحدد الله سبحانه وتعالى لنا اسم ذلك الفرعون؛ كى يترك لنا الأمر مفتوحًا من أجل التنفير من كل تجبر وظلم وطغيان. وعند عدد كبير من الناس اعتقاد راسخ بأن «الفرعنة» والتجبر والاستبداد والديكتاتورية والطغيان هى صفات حكام مصر منذ مصر القديمة، ويطلقون عليهم جميعًا لقب «فرعون»، وجمعهم «فراعنة». ويطلق المصريون أنفسهم وغيرهم على الشعب المصرى كله لفظ «فراعنة».
وجاء هذا الاعتقاد نتيجة لما ورد فى الكتاب المقدس (العهد القديم) والقرآن الكريم عن طغيان وتجبر وتكبر وتأله الملك المصرى القديم الذى أطلق عليه لقب «فرعون»، دون أن يُسميه، وعاش فى عهده نبى الله موسى. ومع التسليم بما جاء فى الكتب السماوية عن فرعون موسى؛ فإنه لا يجوز اتهام كل حكام مصر القديمة بنفس صفات الطغيان، والتأله والتجبر التى كان يتصف بها ذلك الملك.
فكان من بين حكام مصر الصالح والطالح والمؤمن والكافر والقوى والضعيف والعادل والظالم وغيرهم، ولا يمكن بأى حال من الأحوال إطلاق لقب «فراعنة» -الذى كان يطلق على الحكام المصريين القدماء فقط- على كل المصريين من أفراد الشعب المصرى القديم؛ لأنه من غير المنطقى أن يُطلق لقب «قيصر»- الذى كان يخص الإمبراطور الرومانى- على كل أفراد الشعب.
إن لقب «فرعون» لم يكن يدل على تجبر كل الحكام المصريين القدماء، ولم يكن يدل على شعب معين أو جنس محدد؛ وإنما هو لقب إدارى بحت يشير إلى حكام مصر القديمة.
لم تحدد النصوص المصرية القديمة من هو الملك الذى عاش فى عهده سيدنا موسى. وأطلقت على الحاكم لفظة ملك «نِسو» ولفظة إله «نِثر». وقد قُدس الملك فى العبادة المصرية القديمة فى حياته وبعد مماته وفقًا لذلك المفهوم ولتلك النظرة المقدسة للملك المصرى القديم. وعلى الرغم من أن دراسة طبيعة ومفهوم الملكية فى مصر القديمة توضح أنه إذا كان ملك مصر ينعت عادة بلفظ «إله»، فإنه فى نصوص أخرى كان يُعامل على أساس غير إلهى مقدس بالمرة.
ويرجع أصل الحقيقة يرجع إلى أن الملك فى مصر القديمة كان يحوز ويحافظ على الألوهية المقدسة كنتيجة لعدد من الطقوس الملكية المهمة والتى كان من خلال ممارسته لها تتحقق له ألوهيته الرمزية والفعلية على السواء.
إن طبيعة الملك الحاكم فى مصر القديمة كانت تختلف تبعًا لطبيعة العصر الذى عاش فيه الملك خصوصًا فى عصور القوة والثراء وامتداد الحكم. وأضفت تلك العصور بالضرورة على ملوكها المهابة والقداسة، فمال بعضهم إلى تقديس ذاته فى حياته، مثل سنوسرت الثالث ورمسيس الثانى. وكانت طبيعة الملك تختلف وفقًا لطبيعة وشخصية الملك نفسه؛ فكان منهم ملوك مقدسون فى حياتهم.
وكان هناك آخرون عاديون فى حياتهم ومقدسون بعد وفاتهم. غير أنه فى الأغلب كانت القداسة تحيط بأغلب ملوك مصر القديمة؛ لأنهم كانوا أبناء الآلهة على الأرض الذين يحكمون مصر والعالم نيابة عن آبائهم الآلهة!.