آراء

الإرث الثقافي في السينما

إيمان محمد

يقول الكاتب محمد مندور في كتابه “الثقافة وأجهزتها”: “إن الثقافة لم تعد ترفًا عقليًا، بل وسيلة حياة نستطيع أن ندرك قيمتها لو تصورنا انتشار وباء في الورق يأتي على ما جمعت الإنسانية في خزائنها من كتب”.

وخطر في بالي لو أن ذلك حدث فعلاً، أي لو انتشر وباء ما في الورق وأتلفه، أو لو أن فيروسًا ما أصاب الأجهزة والبرامج التقنية قضى على الملاحظات والملفات والمحفوظات، كيف سيتناقل الإنسان الثقافة وينشرها ويبقيها في مكان محفوظ، من الأكيد أنه لن يعود وينحت ثقافته على الصخور.. وإلا لما كانت تطورت وسائل الثقافة وقدمت أهم أجهزتها «السينما».

تشهد السينما السعودية اليوم تطورات كبيرة، إن لم نقل قفزات، في أرقام الإيرادات والنمو المتسارع. بالرغم من حداثة هذا القطاع الذي يعتبر إحدى أدوات التنمية البشرية فنيًا وثقافيًا في «رؤية 2030»، فإنه يبشر بنهوض مرحلة جديدة من الأدوات الثقافية المتنوعة والمؤثرة في المجتمع. فبعيدًا عن البيانات والإحصاءات الموثقة لهذا النمو من الناحية التجارية والترفيهية والتجويدية لأسلوب الحياة، سيخلق وجود السينما، وهذا الأهم، حالة ثقافية تهتم بنمو المحتوى المكتوب والمعالجة الدرامية والموسيقى التصويرية والديكور والأزياء والتصوير.. وغيرها من الفنون، مستندًا إلى الإرث الثقافي السعودي الذي يعتبر مادة ثرية ومتنوعة وملهمة في ذات الوقت لأي مبدع وفنان.

في هذه المرحلة البنائية للسينما كمحتوى ثقافي أرى أهمية تكثيف ربط المادة السينمائية بمجالات الثقافة المتنوعة في البيئة السعودية، ما يسمح للمبدعين بابتكار طرق وأساليب لترويج اللهجة والهوية السعودية، وتنشيط السياحة من خلال التصوير في مواقع أثرية وتاريخية، أو حتى نمو سياحة المطاعم، وإلقاء الضوء على الأطباق السعودية المتنوعة والترويج لها حسب سياق العمل.

كذلك يأتي دور السينما مهمًا في تأريخ المهن والحرف السعودية المميزة وتوظيفها ضمن نسق المحتوى السينمائي. وبالمناسبة سبق أن حدثت هذه الإضافة في فيلم «حد الطار»، الذي يعدُّ مادة ثقافية ألقت الضوء على مهنة «السياف» بشكل احترافي بسيط غير معقد تناسب مع الشخصية. والأفكار في هذا المجال كثيرة، والأجمل أن بعض المهن والحرف السعودية لم يسبق تناولها سينمائيًا.

السينما أيضًا بأفقها المتسع يجب أن تتحد مع الإرث الثقافي الأدبي، وتتجه لنقل الرواية السعودية من خانة الأرفف على المكتبات إلى شاشات السينما محليًا وعالميًا. ونحن – بلا شك – لدينا الكثير من القصص الاجتماعية والمقالات الملهمة والمنعطفات الفكرية ما قبل الرؤية، والتطورات الحياتية ما بعد الرؤية؛ ما يثري هذه الصناعة ثقافيًا بأفلام روائية قصيرة أو طويلة أو بمهرجانات ومسابقات خاصة بالأفلام الروائية، تنشّط الحركة الأدبية والسينمائية، وترتقي بالحالة الثقافية بشكل عام، وتثري المكتبة السينمائية السعودية بأفلام تاريخية وأدبية وغنائية وسير ذاتية وحربية وغيرها من تصنيفات لا تنفصل في محتواها عن المحتوى الثقافي المقروء.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى