آراء

الجاحظ وصناعة السينما السعودية

تركي صالح
الندم والوحدة والوجد، الشعور بالذنب تجاه مصيرنا، ضعفنا وقلة حيلتنا، وطأة الحياة وثقل المسؤولية، الركض الحثيث خلف متطلبات الحياة؛ كل ذلك والكثير هو ما يجب أن يتجسَّد في أعمالنا. إن التحولات السريعة في حياتنا تتطلب منتجات فنية أقوى وأسرع وأكثر جرأة والتصاقًا بنا.

علينا أن نتجاوز طروحاتنا الاجتماعية الخجولة، ونتجه إلى أعمال تنفذ إلى العمق. يجب أن نتحلى بالقليل من الشجاعة لنسأل: عن هويتنا، عن حقيقة وجودنا، عن ممكناتنا، عن موقفنا من العالم من مشكلاتنا ومعوقاتنا، عن عقدنا.

نكشف انكساراتنا، نعري ضعفنا أمامنا أولاً، وأمام الشاشة، لنجد طريقًا نعرفه ونكتشفه. إن حقيقة السينما تتأتى في شيئين وحيدين: الحاجة والموقف. الحاجة لخلق عالم موازٍ نعيش فيه ونتواصل عبره ونتعارف؛ والموقف الذي نقدمه للعالم. إن السينما ليست ترفيهًا وإن عوملت كذلك.

يجب أن تخرج الكاميرا من غرف النوم، ومكاتب العالم، وتنزل إلى الشارع. إن صنع فيلم واقعي بشخصيات تشبهنا أهم بكثير “في هذه المرحلة بالذات” من تقديم فانتازيا خارج الزمان والمكان، أو تصدير شخصيات كاريكاتورية ممجوجة.

لقد وقفنا طويلاً وتأخرنا عن ركب الإنتاج العالمي، وتعثرنا في تقديم أعمال مثقلة بالتوثيق والتأريخ، أكثر من كونها حقيقية وفاعلة.

إن الدعم الذي تتلقاه السينما السعودية من وزارة الثقافة وهيئة الأفلام في وقتنا الحاضر، لا مثيل له، وهو بحق يدفع للعيش في فترة ذهبية لصنَّاع الفيلم. لكن: هل تجاوز صنَّاع الفيلم مرحلة البدايات، أم ركنوا لأعذار الأفكار والقصص المفقودة “زعمًا”؟

لقد أصبح من بداهة الكلام عند سؤال صنَّاع الفيلم في السعودية والعالم العربي عن تعثر الصناعة، الحديث عن ندرة الكتَّاب والأفكار. وهذه الأعذار تذكرنا بجدلية اللفظ والمعنى عند نقاد العربية، والتي يشتهر فيها قول الجاحظ “إنَّ المعاني ملقاة على قوارع الطريق، وإنما يتميز الناس بالألفاظ”. والمعنى هنا تقابله القصص، والألفاظ تقابل التنفيذ؛ فهل يعتبر الجاحظ الذي عاش في القرن التاسع الميلادي هو مفتاح الحل للقضية النقدية السينمائية، التي أصبحت مثل قضية البيضة والدجاجة أيهما أسبق!

إن القصص في العالم متشابهة، لكن التعاطي معها مختلف، ومستوى تقديمها مختلف، والحرفية الفنية التي تضيء جوانبها متباينة ومتفاوتة الجودة.

لذلك، فإن صناعة السينما في وطننا خصوصًا، والعالم العربي بشكل أعم، ما لم تتخطَّ جدلية الفكرة والتنفيذ؛ فلن تتقدم خطوة. ولعلَّ تجارب الفيلم الهندي والإيراني – مثلاً – تعطينا فكرة واضحة عن أثر التقنية الفنية السينمائية في صناعة فيلم منخفض التكاليف، لكنه مفعم بالجودة؛ بغض النظر عن الموقف من بروبغندا معينة تحملها مضامينه.

فهل نأخذ خطوة إلى الأمام قبل أن يغضب منا شيخنا أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ؟

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى