مشاهير

لذكرى رحيل السيد “هولو”

عبدالله الزيد

ابن الذوات والرياضي المحترف، دخل تاريخ السينما وخرج منه – ربما – بقدر من الصمت يشبه الصمت الذي تتميز به أفلامه القليلة والمذهلة. مشاهد الصمت التي يصنعه الكوميديان الفرنسي لا يشبهه فيه أي أحد، ولذا قليلون هم أولئك الذين يشبهون “جاك تاتي” ممن يملكون القدرة على أن يحولوا – مثلاً – صوت خطوات رتيبة وعادية إلى مشهد كوميدي يجبرك على الضحك كما فعل “مسيو جاك” في “وقت اللعب” “play time”، هذا الفيلم الذي تسبب في نكبة صاحبه المالية وإفلاسه؛ مثلما تسبب في سعادة ملايين البشر حتى يومنا الحاضر، وأحدهم العبد الفقير إلى عفو ربه كاتب هذه الكلمات كتحية وعزاء لواحد من أبناء قبيلة الضحك العتيدة.

هذه التحية أوجهها اليوم إلى صاحب الشخصية الأقرب للرسوم المتحركة “السيد هولو” بقبعته الكاريكاتورية، ومشيته الأغرب، والغليون الذي لا يكاد يسقط من فمه! والذي ولد في مطلع القرن الماضي، وقضى بداية حياته محترفًا لرياضة الركبي، وكان يؤكد في لقاءاته أن اللياقة البدنية والليونة الحركية من أساسيات تكوين الممثل المحترف. وما عليك إلا مشاهدة عطلة السيد هولو “Monsieur Hulot’s Holiday” لترى كيف وظف “جاك تاتي” مهارته في لعب كرة المضرب لصناعة مواقفه الكوميدية المعتادة والغريبة.

منتصف القرن الماضي، تنبأ الفيلسوف الألماني “مارتين هيدجار” مبكرًا بأن التكنولوجيا ليست مجرد رفاهية، بل طريقة حياة ستترك على تقاسيم وجه البشرية النقي والطفولي الكثير من التجاعيد والذبول. في ذلك الوقت كان “السيد هولو” يعرض لنا مثل هذه المعالجة بمتعة بصرية وكوميدية تفوق بالتأكيد لغة صاحب “الكينونة والزمان” المعقدة؛ حتى ولو لم تكن بنفس المستوى من الصعوبة والعمق. ويمكن أن نلمس مثل هذا الوعي لدى “جاك تاتي” في فيلمه “عمي” “Mon Oncle” الذي حاز أوسكار أفضل فيلم أجنبي 1958م، وكذلك جائزة التحكيم في مهرجان كان السينمائي الدولي.

حياة “جاك تاتي” للأسف لم تكن على نفس المستوى من البساطة والطفولية التي كانت عليها حياة شخصيته العبقرية “السيد هولو” بعد أن استثمر كل ما يملكه لصناعة فيلمه “وقت اللعب”، الذي كان فيلمًا ثوريًا على مستوى الإنتاج والتقنيات، ولكنه لم يحظَ بالنجاح التجاري المتوقع! وترك منتجه “السيد هولو” على الحديدة بطريقة كارثية ودرامية، وكأن التكنولوجيا تحاول أن تنتقم من ناقدها الدائم. ومع ذلك لم يتوقف عن العمل والإنتاج حتى وفاته. في الرابع من نوفمبر الماضي، كانت الذكرى الـ41 لرحيل واحد من أعظم أبطال الكوميديا، فيما لم تتجاوز أعماله خمسة أفلام طويلة! منها: اليوم الكبير، وساعي البريد، والازدحام، شكل فيها “جاك تاتي” نموذجًا بلغة سينمائية خالدة على مستوى الشكل والأداء، وقد قُضي لهذا الشكل من السينما أن يعيش مثلما تعيش الملاحم الإنسانية. وما هذا إلا لأن السيد “هولو” اختار بوعي مبكر وذائقة فنية راقية في أن تكون أفلامه أشبه بتراجيديا الإنسان المتعالية على الزمان والمكان.

المصدر: سوليوود 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى