آراء

الرعب الرائع في السينما!

غفران قسَّام

مشاهد تحبس أنفاسكم! قد تحرمكم النوم، وقد تدفعكم للضحك بسبب الخوف! بهذا المحتوى التسويقي القيمي، تقدم بعض صالات السينما أفلام الرعب؛ لأجل جذب جمهورها للحجز والمتابعة! تلك القيم التي تنتظم فيها أحداث فيلم الرعب الخيالي عبر أثير النزعة المَرَضية محررةً من أي قيد، وطرح أكثر الغرائز الدنيئة بعد فكها من عقالها وتجسيدها في أكثر المظاهر الخيالية شرًا. وغالبًا ما يظهر التحول الدموي في الشخصيات وتحولها عن طبيعتها البشرية مع حلول الظلام في الحكاية السينمائية.

عالميًا، تداولت شاشة السينما العالمية نوعية الرعب السينمائي فيما يتجاوز عدد التسعين فيلمًا وفق ما تشير إليه بعض الدراسات التي تتبع المخزون العالمي للصور المُرعبة عبر رصد مراحل تطورها بصريًا. ويلاحظ أن موقع تجربة إخراج الرعب في السينما السعودية يتقاطع مع ما مرت به السينما العالمية، لكن بقفزات نوعية وسريعة وقصيرة المدى زمنيًا. ففي عام 2020 ظهرت بوادر طرح الرعب بقالب كوميدي اجتماعي في الفيلم الروائي الطويل “شمس المعارف” لمخرجه فارس قُدس، وكتابة صهيب قدس وهاني كعدور. ويدور الفيلم حول طالب الثانوية حسام الشغوف بالسينما ويقتني كاميرا رقمية صغيرة ليعد بها محتواه الرقمي عبر اليوتيوب مع طرح الفيلم تحديات الطالب في صناعة فيلم روائي قصير من نوعية الرعب.

ولم تتوقف فكرة الشغف في صناعة المحتوى الرقمي سينمائيًا، بل أعاد طرحه فيلم “جنون” مع حلول عام 2022 للأخويْن معن وياسر عبدالرحمن، اللذين قدما نقلة نوعية بصرية في إخراجٍ أكثر نضجًا لأسلوب الرعب؛ يستخدمان فيه التسجيلات المكتشفة، وهي فنية سينمائية تقدم الحكاية وكأنها تسجيلات “خام” تمثل السجل الوحيد المتبقي لتوثيق الأحداث المُرعبة، ونقية من الموسيقى التصويرية. ويوظف فيها تقنية الكاميرا المهتزة، والأصوات بطبقات مهتزة تبدو لزجة متماهية كعالم الأشباح. ويمكن لمس تلك التقنيات بوضوح في فيلم جنون الذي يعيد طرح موضوع الهوس بصناعة محتوى خارق صادم؛ للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين وبالتالي جمع الكثير من المال بأقل تكلفة! لكن التكلفة ظهرت باهظة في الفيلم! إذ يحكي انطلاق خالد وعصام وجيجي وزوجة خالد في مغامرة من السعودية للوس أنجلوس؛ بحثًا عن الخوارق. ويظهر الاهتمام بذلك عندما رفع خالد أول تدوين مرئي له عن يومياته بتأريخ 6-6- 2019 ليعلن عن حدثه المهم، هو مقابلة كاين الأميركي المتصف بالجنون؛ لاستخدامه الجن والعفاريت “عالم الماورائيات” في إثارة جمهورٍ يبلغ 14 مليون متابع لمحتواه المجنون! وبهذا، يشق الفيلم طريقه في الرعب عبر كاين إلى أحداث تكاد تكون مختلة عقليًا! إذ يلاحظ هوس شخصية خالد في المخاطر لأجل ارتفاع عدد المتابعين بكتابة سيناريوهاتية مشتركة بين مروان مقبل، وبيدرو باولو أراوجو، وكذلك بإنتاج مشترك، بين نوان ريبيرو، ومعن بن عبدالرحمن. يعكس فيلم الرعب “جنون” في حواراته العربية والإنجليزية أبرز سمات أفلام الرعب، منها: ظهور الوحوش الغرائبية، كالكلب برأسين الذي تداولته قصص الأهالي الشعبية عن المنتزه في الفيلم. كذلك القاتل المُختل بدءًا بكاين وعصام وغيرهما، وظهور طقوس خارقة للطبيعة، كالقوة الخفية. كذلك استخدام المكان الأميركي كمسرح تتحول فيه الشخصيات من بشريتها إلى أشباح متماهية بين البشرية والدموية كما في تحول عصام ودينا. وتتنوع العواطف التي تستثيرها هجمات الشخصيات في عين وأذن المُشاهِد من الرعب والذعر والقلق إلى الاشمئزاز والتقزز والترويع. أما الأفكار التي يتضمنها الفيلم، فتتماهى في الصراع الأزلي بين الخير والشر، أو بين العِلم والقُوى الخارقة للطبيعة. كما يظهر في الفيلم أبرز رموز سينما الرعب، في الميتات كجثث الشخصيات والحيوانات، ومشهد رأس كاين المقطوع وأجزاء الجسم الأخرى المشوهة كما لدى دينا وجيجي، كذلك في طريقة سحق دينا للضحية خالد بالسيارة وظهور تلك الخاتمة الترويعية دون سبب كما في أفلام الرعب الحديثة قبل نزول شارة النهاية بثوانٍ!

ويمد الفيلم جسوره السينمائية، بين تجربة هوليوود وسوليوود. ويُمتع المشاهدين الشغوفين بالرعب الهوليوودي بطرح الأحداث السوليوودية في الفيلم بالقرب من تخوم هوليوود. وربما مع نهاية الساعة الأولى حين يُصدم الفريق باحتيال كاين وألاعيبه في الكوخ، يكشف كاين لهم خيطًا رفيعًا عن حقيقة ما فعله من قتله الحيوانات البريئة، وجرح يده، ثم قطع رأسه لاحقًا؛ أن كل شيء في هوليوود هو غير حقيقي! فصناعة الفن يُحتمل فيه المقاربات بين التدريب والمهارة، وكثير من جنون الفن! ذلك الجنون الذي يشتغل على إثارة المخاوف في دواخل الجمهور، ومحاولة هز بنى العوالم الداخلية لثيمات الهزيمة والضعف التي نشأ عنها الرضا والخنوع. وربما بلغ فيلم «جنون» تفعيل تلك الإثارات. لكن ما يحدد أثره الفني في الترويع الحسي، هو مقدار ما يتقبله المُشاهد إنسانيًا والذي وصفه أحد الباحثين في الرعب، أن ذلك المقدار مقياسٌ لمهارة صانع الفيلم وعلامة على إنسانية الجمهور في آنٍ واحد. لهذا، تعد خطوة فيلم “جنون” نوعية في السينما السعودية، كما أن موضوعها متداول في الثقافة المحلية والعربية، خاصة في مصادر آدابها، وما فيها من متون حكائية خرافية عربية وأساطير شعبية تمثل تراث الأرض، وهُوية الشعوب. تلك النوعية، جذبَت تقديرًا عالميًا لهُوية «جنون» السعودية بحصوله على جائزة الفيلم الروائي الطويل في مهرجان فاتن حمامة السينمائي، وجائزة أفضل مونتاج في مهرجان نيس السينمائي الدولي.

*باحثة دكتوراه مهتمة بالدراما والسينما

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى