آراء

الدراما بين المحاكاة والإبداع

تركي صالح

الفن هو الإنتاج التعبيري الذي ينتجه الإنسان من حيث كونه كائنًا حيًا فاعلاً ومنفعلاً، والهدف هو إثارة الشعور بالجمال في مختلف الفنون «نحتًا، وعمارة، وموسيقى، وشعرًا، وتمثيلاً، وغيرها»، هذا الإنتاج الذي يمتلك ماهية تعبر عنه توقف الدارسون عندها في صورة جدل فمنهم من يرى أن هذا الإنتاج الفني ما هو إلا محاكاة للطبيعة، بينما يرى آخرون أنه إبداع يعبر عن تفرد شخصية الفنان .

تعتبر قضية المحاكاة والإبداع من أقدم الإشكالات التي واجهها النقد الفني على كافة المستويات، وهي قضية متشعبة ضاربة بأطنابها في تاريخ الفن. ولعل أشهر من تعرض لها الناقد الأميركي أبرامز صاحب الكتاب ذائع الصيت «المرآة والمصباح»، وهو باختصار يتحدث عن «الكلاسيكية والرومانسية» كنوعين أدبيين، فالأولى تحاكي الموضوعات وتنقل صورها كما تفعل المرآة. والثانية – أي الرومانسية – تصدر ضوءها عن أعماق الفنان كأنها المصباح الذي يشع ضوؤه من داخله.

ينبع الفن أصلاً عن حاجة فردية واجتماعية، وينتج بالضرورة صورًا متعددة لتلك الحاجات. لذا، فإنه بشكل من الأشكال يستوجب أن يكون محاكاة لعمل أو طريقة أو صورة، وبأشكال أخرى فهو يمتاز عن غيره بفردانيته. القرب والبعد عن المحاكاة هو المعيار لجودة عمل ما وامتيازه عن غيره.

هذا على عمومية الفن، والدراما خاصة أصبحت أشهر الفنون وأكثرها شمولية واتساعًا وأولاها بالإبداع والخلق والامتياز. على ذلك، فهي فن صعب وشامل وخطير في أثره، لا يجهل أهميته ولا وقعه ولا نتائجه إلا جاهل، وهو بالإضافة إلى ذلك شامل متشعب له طرائقه وأساليبه وموضوعاته.

ولقد تقدمت صناعة الدراما العالمية، والأميركية خاصة، فسبقت غيرها ودخلت بيوت العالم قبل أسواقهم وأذهان المهتمين بعد قلوبهم. وهي إضافة إلى جودتها وقدرتها الفنية البارزة تدعمها آلة إعلامية إعلانية لا تضاهى وقدرات مالية لا تجارى، وهي أداة ضمن أدوات ناعمة تسوق أسلوب حياة غربي غزا العالم وترسخ في أذهان الشيبة قبل الشباب. وصنع مزاجًا عالميًا يصنف الأعمال اهتمامًا وجودة بدرجة قربها وبعدها من النموذج الغربي «الأميركي حصرًا»، وهذه معايير خطيرة تفعل فعلها السلبي في هوية أي ثقافة وامتيازها وتمايزها، وتذيب فيها كل تكويناتها وثقافاتها وفنونها .

لذا، فإن أهمية الإبداع وصعوبة التمايز والبعد عن محاكاة النماذج الغربية، هي من أهم القضايا التي يجب علينا أن نركز عليها لبناء هوية لأعمالنا الفنية تبتعد بنا عن الذوبان في بحر متلاطم من التجارب العالمية المختلفة والمخالفة لنا، وربما العدائية في بعض الأحيان .

إن صناعة الدراما ليست بالأمر الهين، فهي تحدٍّ وجودي وثقافي واقتصادي، وهي عوامل لا تنفصل عن بعضها البعض، لكن بعضها يغلب على الآخر حسب المرحلة والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أي بلد .

إن المحاكاة الحقيقية والمطلوبة هي محاكاة طرق النجاح وأساليبه، وتقليد مناهج الإبداع وأجوائه وعوالمه، وتطبيق معايير الجودة واستنساخها.

إن روح الفن هي الخلق والإبداع والتجاوز والمغايرة دون إخلال ولا تفريط ولا ضياع بوصلة.

في الختام، أنت لن تخترع العجلة لكنك تستطيع صنع المرسيدس والبوينج وتسلا.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى