آراء

فيلم Killers of the Flower Moon.. الحب والرغبة في القتل قد يجتمعان في قلب واحد

سماح عادل

يبدأ الفيلم بخوف مجموعة من الهنود الحمر على اندثار لغتهم وهويتهم، ودفنهم لإحدى متعلقات ميت لديهم، مرددين تعاويذهم السحرية ومتحسرين على مصير الأطفال الذين سيفقدون هوية أهاليهم ولغتهم، بعد أن طردوا من أراضيهم ليذهبوا إلى أراضٍ أقل خصوبة، ثم تحدث المعجزة وتمنحهم الأرض الخير وتنفجر ينابيع البترول. هم قبيلة الأوساج الذي ارتحلوا إلى شمال شرق أوكلاهوما وأصبحوا من الأغنياء بسبب اكتشاف النفط.

ويرصد الفيلم من خلال مشاهد أبيض وأسود قديمة كيف تحول أفراد القبيلة إلى أثرياء وأصبحوا يعيشون مثل أغنياء أميركا وينعمون بالرفاهية. تلك المشاهد تشعرك بالسحر من جمالها؛ لأنها تعيدك إلى أجواء العشرينيات حيث تدور أحداث الفيلم.

ليدخل “أرنست” داخل المشهد، شاب أنهكه اشتراكه في الحرب، يذهب إلى منزل عمه في أراضي قبيلة الأوساج. ونلاحظ أن البيض يعطون المكان اسمًا يخالف ما يعطيه الهنود الحمر له. ونشاهد كيف استطاع “أرنست بوركهارت” الذي قام بدوره الممثل الأمريكي “ليوناردو دي كابريو” أن يتوغل داخل عالم الهنود الحمر الأغنياء، بزواجه من “مولي كايل”، وبتوصية من عمه «ملك تلال الأوساج”، الذي عاش منذ سنوات بينهم واستطاع أن يكتسب ثقة الهنود الحمر، حتى إنه يتكلم لغتهم ويشاركهم طقوسهم ويعتبر نفسه واحدًا من أصدقائهم.

قصة حب..

رغم أن الفيلم مأخوذ عن كتاب “ديفيد جران” الذي يحمل نفس اسم الفيلم والذي اشتهر، إلا أن المخرج فضل أن يعالج أمر إبادة الهنود الحمر، بمراوغة من قبل الرجل الأبيض، من خلال قصة حب تدور بين “مولي وأرنست”، فنتتبع اقترابهما وزواجهما، ثم موت أفراد عائلتها ببطء وروية، وموت هنود آخرين من الأثرياء بطرق مريبة.

حيث توضع السموم داخل خمورهم، أو يتم قتلهم بدعوى أنهم أنهوا حياتهم بأنفسهم، أو قتلهم بسم بطيء يسبب لهم الهزال، أو حتى يتم قتلهم بدلائل واضحة على القتل، لكن الشرطة لا تهتم بعمل تحقيقات مناسبة. وتشاهد “مولي” كل تلك الجرائم التي تسير بشكل منظم لكنها مع كل شكها تثق في “أرنست” وتبادله مشاعر حب متدفقة أمامنا، وهو نفسه يعاملها بنفس القدر من المحبة.

لنكتشف أنه هو وأخاه وراء تلك الجرائم المدبرة والمنظمة، وأن عمه «ويليام هيل» هو الرأس المدبر، ليس هذا فقط، وإنما هناك تواطؤ من البيض جميعًا في أنحاء الولاية، تواطؤ على قتل الهنود الحمر للاستفادة من ثرواتهم.

المدهش هو أن نرى “أرنست” وهو يتعامل بحنو شديد مع زوجته وبمحبة كبيرة، رغم أنه يدس لها السم مع الدواء، ويقتل شقيقاتها بدماء باردة، ويبادلها الحنان والمحبة، حتى إنه في أحد المشاهد يضع السم لنفسه في الكحول، ربما ليقنع نفسه أنه دواء للتهدئة كما أقنعه عمه. هذه العلاقة الغريبة ما بين الحب وتعمد القتل تعطي للفيلم ثراء إنسانيًا؛ إذ إن شخصية «أرنست» موزعة ما بين الطمع والجشع والعنصرية؛ لأنه يرى أن الهنود لا يستحقون ثرواتهم أو مكانتهم الاجتماعية، وأنه هو وعشيرته من يستحقون كل ذلك الثراء والترف، وما بين حرصه الشديد على إظهار المحبة لـ«مولي»، والاعتناء بها حتى وهو يعطيها السم الذي يصيبها بالهزال، كما يحرص على أن يكون قريبًا من أطفاله منها.

الرجل الأبيض..

الفيلم امتلك جرأة شديدة في تجسيد كيف كان الرجل الأبيض يبيد الهنود الحمر، دون أي شعور بالتردد أو الذنب، وميزته أنه أعطى للهنود الحمر مساحتهم في التعبير عن أنفسهم، فنجدهم يعبرون عن مخاوفهم من الرجل الأبيض ومن مكائده ومؤامراته، ويتخوفون من إهمال القائمين على إدارة الولاية لكل تلك الجرائم، حتى إنه لا يتم التحقيق فيها. ونجد الكل متواطئًا، الطبيبين، والموظفين، وكل من يعملون حول قبيلة الأوساج من الرجال البيض.

والطريف في الأمر هو نسبة المشاهدة العالية له فور نزوله، مما يعني أنه حقق نجاحًا جماهيريًا رغم أنه يكشف جشع الرجل الأبيض وغروره الشديد وتعاليه على بقية الأجناس.

كشف جمال الثقافة الهندية..

حرص الفيلم أيضًا على أن يكشف جمال الطقوس الهندية وجمال الثقافة، فأظهر لنا تفاصيل كثيرة حول طقوس دفن الموتى وطقوس الاحتفاء بالمواليد الجدد، وحتى جمال أراضيهم والنباتات التي تنمو فيها وسحرها، وعلاقتها بأساطيرهم الدينية. فمن خلال اطلاع “أرنست” على كتاب مصور نتعرف على جمال تلك الثقافة، التي تعتبر القمر الأم والنار الأب والشمس الجد، وتسمي زهورًا ساحرة تنمو لديهم بـ”زهور القمر”، وقد قدم الفيلم هذه الزهور وكأنها كناية عن الهنود الحمر الذين يقطفهم الرجال البيض بعنجهيتهم وتعاليهم وطمعهم.

براعة..

كان أداء “روبرت دي نيرو” و”ليوناردوا دي كابريو” رائعًا، وكذلك الممثلة الهندية التي قامت بدور “مولي” وهي تصور مدى حيرتها بين حبها لـ”أرنست” ومخاوفها من عمه ومن أخيه وربما منه هو أيضًا، حتى إنها أجادت تصوير مشاعر التسامح حين علمت بجرائم زوجها ضد عائلتها. وأعتقد أن الفيلم أراد أن يظهر مدى تسامح الهنود الحمر وسماحتهم وطيبتهم، حتى أثناء شعورهم بالخطر، كما رصد مدى توحدهم وارتباطهم مع مفردات الطبيعة والكون.

والفيلم كان طويلًا، حيث امتد على مدار 206 دقائق، وامتاز بجمال الصورة وبسحر تصوير الطبيعة وبالأزياء الجميلة التي تعود لتلك الحقبة الزمنية التي صورها الفيلم، وكانت حركة الكاميرا هادئة. كما كان هناك تنوع على مستوى تقديم الحقائق، فنجد أخبارًا بالأبيض والأسود وكتابًا، وحكيًا بصوت الممثلين. ويختتم الفيلم ببرنامج إذاعي ساخر، يحكي فيه الممثلون حكاية إبادة عائلة “مولي” وبقية أفراد قبيلة الأوساج، ورد فعل المجتمع الذي لم يكترث لها والذي تعامل برحمة مع “هيل”            و”أرنست” وكأن جريمتهم أبسط من أن يتم الانتباه لها. ميزة الفيلم أنه قدم قضية إنسانية هامة بهدوء وسلاسة، جامعًا كل عناصر العمل السينمائي الممتع والجميل.

وقال المخرج “سكورسيزي” في مؤتمر صحفي في 16 أكتوبر 2023: “ما أردت تصويره، في النهاية، هو طبيعة الفيروس أو السرطان التي تخلق هذا الشعور بنوع من الإبادة الجماعية البسيطة، فعندما تكون هناك خيانة بهذا العمق ونعلم يقينًا أنها كانت بهذه الطريقة، فهذه هي قصتنا”.

حقق الفيلم 10 ملايين دولار في أول أيام عرضه بأميركا، ووصلت إلى 23 مليون دولار خلال يومي عرض، واحتل المركز الثاني في قائمة إيرادات شباك التذاكر الأميركي؛ ليصل إجمالي إيرادات الفيلم في السينمات المحلية 40.6 مليون دولار، بينما حقق 44 مليون دولار على مستوى الإيرادات العالمية؛ لتصل الإيرادات الكلية التي حققها على مدار 10 أيام 84.6 مليون دولار، بينما بلغت ميزانية الفيلم 200 مليون دولار.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى