فيديو مفبرك يُشعل الجدل.. حقيقة مزاعم غرق وانهيار المتحف المصري الكبير
الترند العربي – متابعات
أثار مقطع فيديو متداول على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي حالة من الجدل والقلق، بعد الترويج له على أنه يوثّق لحظة غرق وانهيار المتحف المصري الكبير، أحد أضخم المشاريع الثقافية في العالم، قبل أن تكشف التحقيقات التقنية والبيانات الرسمية أن المقطع زائف بالكامل ومُنتَج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، في واحدة من أخطر موجات التضليل الرقمي التي استهدفت رمزًا حضاريًا مصريًا وعالميًا.
الفيديو، الذي حصد ملايين المشاهدات خلال ساعات، جرى تداوله بعناوين مثيرة وصادمة من قبيل “انهيار المتحف المصري الكبير” و“كارثة ثقافية تهز مصر”، ما أسهم في تضخيمه وانتشاره، مستفيدًا من حساسية المشروع وأهميته الرمزية، ومن سرعة تداول المحتوى غير المتحقق منه عبر المنصات الرقمية.
كيف بدأ انتشار الفيديو؟
بدأت القصة عندما نشر أحد الحسابات على منصة “تيك توك” مقطعًا يُظهر مبنى ضخمًا تغمره المياه مع انهيارات جزئية في هيكله، وأرفقه بوصف يوحي بأن المشاهد تعود للمتحف المصري الكبير. وسرعان ما انتقل الفيديو إلى منصات أخرى مثل “إكس” و“فيسبوك”، حيث أعادت حسابات كثيرة نشره دون أي تحقق، مستغلة العاطفة العامة وسهولة الخداع البصري.
وخلال أقل من 24 ساعة، تجاوز عدد مشاهدات الفيديو حاجز الخمسة ملايين مشاهدة، مع آلاف التعليقات التي عبّرت عن صدمة وغضب وتساؤلات حول سلامة المشروع، في مشهد يعكس مدى خطورة المحتوى الزائف حين يُقدَّم بصيغة واقعية ومقنعة.

تحقيق تقني يكشف الحقيقة
تحقيق موسّع أجرته جهات متخصصة في التحقق الرقمي، من بينها فرق تدقيق إعلامي دولية، كشف أن الفيديو لم يُصوَّر في مصر أصلًا، ولم يُظهر المتحف المصري الكبير بأي شكل من الأشكال. وأظهرت نتائج التحليل أن المقطع أُنتج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، المعروفة بقدرتها على إنشاء مشاهد وهمية عالية التأثير البصري رغم رداءة التفاصيل الدقيقة.
التحليل اعتمد على تفكيك الفيديو إلى لقطات ثابتة، وفحصها عبر أدوات البحث العكسي، إضافة إلى استخدام برامج متخصصة في كشف المحتوى المُصنَّع بالذكاء الاصطناعي. وأظهرت النتائج وجود تشوّهات بصرية واضحة، مثل تداخل العناصر المعمارية، واختلال في الظلال، وحركة غير منطقية للمياه، وهي سمات شائعة في الفيديوهات المُولّدة آليًا.
من يقف خلف الفيديو؟
أظهرت التحقيقات أن الفيديو نُشر أول مرة عبر حساب على “تيك توك” يعود لشخص يعرّف نفسه على أنه “مبرمج ذكاء اصطناعي”، ويملك سجلًا سابقًا في نشر مقاطع مماثلة تعتمد على محتوى مفبرك أو مُضلل، بعضها استهدف مواقع ومدنًا عربية بادعاءات كوارث طبيعية لم تقع أصلًا.
اللافت أن الحساب أرفق الفيديو عند نشره الأول بوسوم تشير صراحة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه الإشارة حُذفت أو تجاهلتها الحسابات التي أعادت نشر المقطع لاحقًا، في نموذج متكرر لما يُعرف بـ”غسيل المحتوى”، حيث يُعاد ضخ المادة بعد نزع سياقها الأصلي.
المتحف المصري الكبير.. الحقيقة على الأرض
على أرض الواقع، لم يُسجَّل أي حادث غرق أو انهيار في المتحف المصري الكبير، الذي يخضع لإجراءات هندسية ورقابية صارمة، ويُعد أحد أكثر المشاريع الثقافية مراقبة من الناحية الإنشائية في المنطقة.
وزارة السياحة والآثار المصرية أصدرت بيانًا رسميًا أكدت فيه سلامة المتحف، موضحة أن التصميم المعماري للمبنى يعتمد على فتحات علوية مدروسة تسمح بدخول الإضاءة والتهوية الطبيعية، وهو ما قد يؤدي في بعض الأوقات إلى مرور كميات محدودة من مياه الأمطار، دون أن يشكّل ذلك أي خطر إنشائي أو تشغيلي.
وأوضحت الوزارة أن مقاطع سابقة جرى تداولها عن “تسريب مياه” تعود إلى عام 2023، وتم التعامل معها فنيًا في حينه، ولا علاقة لها بأي انهيار أو خلل هيكلي، مؤكدة أن المشروع يسير وفق أعلى المعايير العالمية.

حملات التضليل واستهداف الرموز
يرى خبراء إعلاميون أن استهداف المتحف المصري الكبير بمحتوى مفبرك لا يمكن فصله عن سياق أوسع من حملات التضليل الرقمي، التي باتت تستخدم الذكاء الاصطناعي كسلاح لتشويه المشاريع الكبرى، وزعزعة الثقة العامة، وإثارة البلبلة.
ويحذر مختصون من أن خطورة هذا النوع من المحتوى لا تكمن فقط في كذبه، بل في قدرته على تقويض الثقة في المؤسسات، وإرباك الرأي العام، خاصة حين يتعلق الأمر بمشاريع وطنية ذات بعد حضاري وسياحي واقتصادي.
الذكاء الاصطناعي بين الإبداع والتزييف
يعيد هذا الحادث فتح النقاش حول الوجه المظلم للذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بات قادرًا على إنتاج صور ومقاطع فيديو يصعب على غير المختصين تمييزها عن الواقع. ومع تطور هذه التقنيات، تتزايد الحاجة إلى أطر قانونية وأخلاقية واضحة، وإلى تعزيز ثقافة التحقق الإعلامي لدى الجمهور.
ويرى مختصون أن المرحلة المقبلة ستشهد تصاعدًا في استخدام ما يُعرف بـ”الديب فيك” لأغراض التضليل السياسي والإعلامي، ما يجعل من التحقق الرقمي مهارة أساسية، لا رفاهية.
مسؤولية المنصات والجمهور
في خضم هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي يُفترض أن تتحمل جزءًا من المسؤولية عبر تطوير آليات أسرع لرصد المحتوى الزائف، ووضع إشعارات تحذيرية واضحة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بأحداث جسيمة أو مواقع حساسة.
وفي المقابل، يبقى وعي الجمهور خط الدفاع الأول، عبر التريث قبل إعادة النشر، والاعتماد على المصادر الرسمية، وعدم الانسياق وراء العناوين الصادمة.
هل تعرّض المتحف المصري الكبير للغرق أو الانهيار؟
لا، هذه المزاعم غير صحيحة، ولم يُسجَّل أي حادث غرق أو انهيار بالمتحف.
هل الفيديو المتداول حقيقي؟
الفيديو زائف ومُنتَج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي بنسبة تقارب 100%.
من نشر الفيديو أول مرة؟
نُشر أولًا عبر حساب على منصة “تيك توك” معروف بنشر محتوى مُولّد بالذكاء الاصطناعي.
هل سبق تسريب مياه داخل المتحف؟
نعم، وُجد مقطع قديم من عام 2023 أُسيء تفسيره، وكان مرتبطًا بتصميم معماري معروف ولا يشكّل خطرًا.
كيف يمكن التمييز بين الفيديو الحقيقي والمفبرك؟
من خلال ملاحظة التشوهات البصرية، والرجوع للمصادر الرسمية، واستخدام أدوات التحقق الرقمي.
ما خطورة هذا النوع من المحتوى؟
يُسهم في تضليل الرأي العام، وزعزعة الثقة، وتشويه سمعة المشاريع الوطنية الكبرى.
اقرأ أيضًا: هجوم سيدني يشعل جدلًا دوليًا.. نتنياهو يتهم الحكومة الأسترالية بتغذية معاداة السامية



