محمية الشمال.. تجربة صيد مستدام تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والطبيعة في قلب البرية السعودية
محمية الشمال.. تجربة صيد مستدام تعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والطبيعة في قلب البرية السعودية
الترند العربي – متابعات
في قلب البراري الشمالية للمملكة، حيث تتداخل الرمال مع السهول وتمتد الأودية القديمة بين تضاريس كانت شاهدًا على طرق القوافل وممرات التاريخ، تقدم هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية نموذجًا استثنائيًا يدمج بين الحفاظ البيئي وإحياء التراث، عبر إطلاق “محمية الشمال للصيد المستدام” كأحد أبرز مشاريع موسم شتاء درب زبيدة 2025. هذه التجربة، التي تجمع بين الصيد التراثي والفخامة الحديثة والتنظيم البيئي الدقيق، تسعى إلى إعادة بناء العلاقة بين الإنسان والطبيعة، ليس بوصف الصيد نشاطًا تقليديًا فقط، بل كمنهج مستدام يخضع لقواعد صارمة تحافظ على التوازن الحيوي للمنطقة وتحمي الأنواع الفطرية المهددة.

رؤية وطنية تضع الاستدامة في قلب التجربة
إطلاق محمية الشمال ينسجم مع رؤية وطنية شاملة تُعيد تعريف مفهوم السياحة البيئية السعودية، من خلال تطوير مشروعات لا تعتمد على الترفيه السريع، بل على التجربة العميقة التي تمزج الطبيعة بالتراث والتنظيم العلمي. هذا المشروع أبرز مثال على السياحة المستدامة التي تراعي خصوصية المكان وتحول التراث إلى ممارسة منظمة لا تهدد التنوع الأحيائي. ويترافق هذا التوجه مع جهود المملكة الحثيثة لرفع مستوى الوعي البيئي، ودمج المجتمعات المحلية في الأنشطة البيئية، وجعل التراث الطبيعي جزءًا من اقتصاد المستقبل.

مساحة شاسعة تعيد تعريف معنى البرية
تمتد محمية الشمال على مساحة تتجاوز 2000 كيلومتر مربع، وهي مساحة تجعل الزائر يشعر بأنه في عالم منفصل، حيث لا ضجيج ولا صخب، بل مزيج من السكون والهضاب البعيدة والوديان المتعرجة التي تُشكّل لوحة طبيعية لا مثيل لها. هذه المساحة تتيح تطبيق أنظمة الصيد المستدام دون التأثير على التوازن البيئي، كما تضمن توزيع الأنشطة على نطاق واسع بحيث لا تتعرض البيئات الحساسة للضغط. صُممت مواقع الصيد بعناية، وفق دراسات بيولوجية تحدد أوقات التكاثر ومسارات الطرائد، بما يضمن احترام دورة الحياة الطبيعية في البرية.

النزل البيئي الجديد.. فخامة تنبع من روح المكان
يشكّل النزل البيئي الجديد أحد أكثر عناصر التجربة جذبًا، إذ يجمع بين الرفاهية الهادئة والهوية التراثية التي تظهر في تفاصيل التصميم، من الأقمشة المستخدمة إلى الطين والخشب والحجر المحلي. الجناح الرئيسي المزود بشرفة خاصة يتيح للضيوف مراقبة المشهد الطبيعي دون أي تلوث بصري، بينما توفر الغرف الأربع المزدوجة مع الصالة الترفيهية والمطبخ المتكامل وجلسات الهواء الطلق تجربة ضيافة متقدمة تنسجم مع الطبيعة بدل أن تتغلب عليها. شعار المكان واضح: “فخامة بلا ضجيج”. فكل تفصيلة تم تصميمها لتمنح الزائر إحساسًا بالهدوء العميق والانغماس في البيئة من دون فقدان أي من مستوى الراحة الذي توفره المنتجعات الفاخرة.

خيارات إقامة تلائم المغامرين وعشّاق البرية
لا تقتصر تجربة محمية الشمال على الفئات الباحثة عن رفاهية كاملة، بل تمتد لتشمل محبي المغامرة والرحلات الطويلة، عبر توفير مخيمات مجهزة بمستويات مختلفة من السعة والراحة. المخيم الأول المخصص لـ12 شخصًا يتضمن ست خيام مبيت وخيمة طعام وبيت شعر تقليدي وجلسات خارجية، بينما يضم المخيم الأكبر خيامًا تستوعب 31 شخصًا، إضافة إلى جناح رئيسي ومطبخ وخيمة طعام ومجلس خارجي واسع. كل مجموعة يرافقها مرشد بيئي وصياد متخصص، يقدمان تجربة تعليمية تثري المعرفة بسلوك الطرائد، وأنظمة الصيد المستدام، والعادات التاريخية في استخدام الصقور والسلوقي.
طرائد الموروث العربي.. بين حماية الأنواع وإحياء التقاليد
تضم المحمية مجموعة من الطرائد المرتبطة بعمق بالتراث العربي، مثل الحبارى والغزال والمها الوضيحي. صيد الحبارى يعتمد على الصقور المدربة التي تشكّل رمزًا عربيًا أصيلًا، بينما يعتمد صيد الغزلان على السلوقي أو الأسلحة المخصصة وفق معايير سلامة عالية، أما المها الوضيحي فيصطاد عبر منهج مقنن يوازن بين التقاليد ومتطلبات الحفاظ البيئي. تتولى فرق متخصصة الإشراف على كل عملية صيد للتأكد من عدم تجاوز الحدود الطبيعية للمكان أو الإضرار بالتنوع الأحيائي، كما يجري تسجيل كل عملية في نظام رقمي يضمن تتبع تأثير النشاط على الحياة الفطرية.
درب زبيدة.. التاريخ يلتقي التجربة البيئية الحديثة
وجود التجربة ضمن موسم شتاء درب زبيدة ليس مصادفة، فالطريق التاريخي الذي يعود عمره لأكثر من 1200 عام كان معبرًا للقوافل والحجاج، ويحمل إرثًا ثقافيًا وجغرافيًا كبيرًا. الربط بين هذا التاريخ وبين التجربة البيئية الحديثة يقدّم نموذجًا فريدًا للسياحة الثقافية المستدامة، إذ تتحول الرحلة من مجرد نشاط ترفيهي إلى تجربة تعليمية تُعيد إحياء مسارات تاريخية كانت جزءًا من الحياة اليومية قبل قرون. هذا الدمج يعزز القيمة الحضارية للمحمية ويجعلها بوابة تربط التراث بالاستدامة.
منهج مستدام يوازن بين الإنسان والطبيعة
الصيد المستدام مفهوم لا يقوم على المنع المطلق للصيد، ولا على الإطلاق الحر له، بل على تنظيم دقيق يحافظ على الأنواع ويمنع الانقراض ويعيد توزيع السلوك البشري بما يضمن استمرار التوازن البيئي. في محمية الشمال، يتجسد هذا المفهوم عبر أنظمة إلكترونية تراقب عدد الطرائد، وموسم التكاثر، ومعدلات النمو، ومدى استجابة البيئة بعد كل موسم صيد. كما تُستخدم تقنيات حديثة مثل الكاميرات الحرارية والطائرات المسيّرة لرصد تحركات الحيوانات وتحديد المناطق التي يجب حمايتها من أي تدخل.
ضيافة متكاملة تستند إلى معايير عالمية
الضيافة في محمية الشمال تتجاوز الطعام والإقامة، إذ تشمل إدارة التجربة بالكامل، بدءًا من الاستقبال وحتى انتهاء رحلة الصيد. الزائر يحصل على برنامج يشمل ورشة تعريف بالصيد المستدام، ودروسًا عن السلوك البيئي للطرائد، وجلسات استرخاء حول نار الليل، ورحلات قصيرة لاستكشاف النباتات المحلية. هذا التكامل يجعل التجربة تتجاوز الصيد نفسه لتصبح جزءًا من مفهوم أوسع للسياحة البيئية المسؤولة.
تجربة تُعيد تعريف السياحة البيئية في المملكة
تقدم محمية الشمال نموذجًا للوجهات التي ترفع مستوى التجربة البيئية في المملكة، وتدعم مسارها نحو حماية التنوع الحيوي وتحويل التراث الطبيعي إلى عنصر اقتصادي. هذا المشروع يعزز مكانة المملكة في قطاع السياحة المستدامة عالميًا، خصوصًا مع اهتمام المسافرين بتجارب أصيلة لا تعتمد على التجميل التجاري، بل على الطبيعة الحقيقية والضيافة الهادئة.
مستقبل المحمية.. توسع وخدمات جديدة للزوار
هيئة تطوير المحمية تعمل على إطلاق برامج إضافية تشمل مسارات مراقبة الطيور، ومناطق تصوير طبيعية، وتجارب ليلية تعتمد على تقنيات الرصد الحراري، إلى جانب باقات تعليمية تستهدف الأطفال والشباب لتعزيز الوعي بالحياة الفطرية. كما يجري العمل على نظام ذكي يسمح بتتبع الطرائد ورصد تأثير الأنشطة البشرية بشكل مباشر، ما يعزز دقة أنظمة الصيد المستدام.
ما الذي يميز محمية الشمال عن غيرها من المحميات؟
تقدم تجربة صيد منظمة تجمع بين التراث والاستدامة والضيافة الفاخرة ضمن بيئة غنية بالتنوع الحيوي.
هل الصيد مسموح دون قيود؟
لا، يخضع لمنهج صارم يحدد الأنواع المسموح صيدها، وعدد الطرائد، والمواسم، تحت إشراف متخصصين.
هل يمكن الإقامة في المحمية دون المشاركة في الصيد؟
نعم، إذ توفر المحمية تجارب بيئية وسياحية عديدة تتجاوز الصيد، مثل مراقبة النجوم واستكشاف النباتات.
هل تتوافق التجربة مع المعايير العالمية؟
نعم، تعتمد المحمية أنظمة مراقبة حديثة وتقنيات بيئية معتمدة عالميًا لضمان حماية الحياة الفطرية.
اقرأ أيضًا: كارثة في نهر الأمازون.. انهيار أرضي يبتلع قارب ركاب ويخلّف 12 قتيلًا و30 مفقودًا في البيرو


