في بيتنا “مدمن محمول”.. تأثير الهواتف المحمولة على صحة وسلوك الأطفال وحلول عملية للوقاية

في بيتنا “مدمن محمول”.. تأثير الهواتف المحمولة على صحة وسلوك الأطفال وحلول عملية للوقاية
الترند العربي – متابعات
في مشهد يومي يتكرر في آلاف البيوت حول العالم، يجلس طفل صغير لا يتجاوز عمره سبع سنوات ممسكًا بهاتف ذكي لساعات طويلة، يغوص في عالم الألعاب أو مقاطع الفيديو، دون إدراك حقيقي لما يدور حوله. وبينما يرى الوالدان أن هذا السلوك قد يمنحهما بعض الراحة أو يشغل وقت فراغه، تغيب عن أذهان الكثيرين الآثار العميقة والمقلقة لهذا التعلق المفرط بالتكنولوجيا، خصوصًا على الأطفال في المراحل العمرية الحرجة.
مع التطور السريع للتقنيات الرقمية، أصبح الهاتف المحمول أداة مركزية في حياة الطفل، يستخدمه في اللعب، التعليم، وحتى في التواصل مع أصدقائه أو أفراد أسرته. ومع أن هذه التكنولوجيا تحمل بعض الجوانب الإيجابية، إلا أن الإفراط في استخدامها يُعد بمثابة بوابة لمجموعة من المشكلات الصحية والنفسية التي قد لا تظهر فورًا، لكنها تتراكم تدريجيًا لتشكل خطرًا حقيقيًا على الطفل في المدى البعيد.
مخاطر صحية واضطرابات نفسية وسلوكية
من أبرز التأثيرات الجسدية التي يحذر منها أطباء الأطفال هي ضعف البصر الناتج عن التعرض المستمر للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، حيث يُجبر الطفل على التحديق لفترات طويلة في شاشة صغيرة، ما يجهد عضلات العين ويزيد من احتمالية الإصابة بقِصر النظر. كما يعاني عدد كبير من الأطفال من آلام متكررة في الرقبة والظهر، نتيجة وضعيات الجلوس غير السليمة أثناء استخدام الهاتف. ومع انخفاض معدلات الحركة، يصبح الطفل عرضة للسمنة وزيادة الوزن، الأمر الذي يؤدي لاحقًا إلى مشكلات صحية أكثر تعقيدًا.
أما على المستوى السلوكي والنفسي، فتشير تقارير من مؤسسات متخصصة مثل الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال إلى أن الإفراط في استخدام الأجهزة المحمولة يسبب اضطرابات في النوم بسبب تأثير الضوء الأزرق على إفراز هرمون الميلاتونين، مما يؤدي إلى الأرق والتعب المزمن. كما يُلاحظ لدى كثير من الأطفال ممن يُفرطون في استخدام الهاتف أعراض مثل نوبات الغضب الشديد عند سحب الجهاز منهم، أو عند توقف الإنترنت، إلى جانب ضعف التركيز والتشتت داخل الصفوف الدراسية، مما يؤثر على التحصيل الأكاديمي.
أثر العوالم الافتراضية على النمو الاجتماعي
وتُعد العزلة الاجتماعية من أخطر النتائج النفسية المرتبطة بهذا الإدمان، حيث يفضل الطفل قضاء وقته في العوالم الافتراضية، بعيدًا عن التفاعل الإنساني الحقيقي مع أقرانه أو أفراد أسرته، مما يؤدي إلى ضعف المهارات الاجتماعية والشعور بالوحدة. كما أن المحتوى الذي يتعرض له الطفل قد يكون غير مناسب لعمره، خاصة في ظل غياب الرقابة، ما يجعله عرضة لتقليد سلوكيات غير لائقة، أو التفاعل مع محتوى عنيف أو مروّج لأفكار خاطئة.
ضبط الاستخدام: خطوات عملية بيد الأسرة
رغم هذه التحذيرات، لا يمكن تجاهل أن الهاتف المحمول أداة حيوية في العصر الرقمي، وأن من غير الواقعي منع الأطفال من استخدامه تمامًا. بل تكمن الحكمة في تقنين الاستخدام ووضع ضوابط واضحة. ينصح الخبراء بتحديد ساعات استخدام مناسبة يوميًا حسب عمر الطفل، واختيار التطبيقات ذات المحتوى التعليمي والمفيد. كما يُفضل تشجيع الطفل على ممارسة أنشطة بدنية وفنية، مثل الرياضة أو الرسم أو القراءة، لخلق توازن في أسلوب الحياة. ويظل الدور الأكبر للأهل، فهم القدوة الأولى للطفل، فإذا اعتاد الأب أو الأم على استخدام الهاتف باستمرار، فسيقلده الطفل دون وعي.
ومن النصائح المهمة أيضًا، إبعاد الهاتف عن الطفل قبل النوم بساعة على الأقل، ووضعه خارج غرفة النوم، لتجنب تأثيره على جودة النوم. كذلك يُستحسن تخصيص وقت يومي مشترك بين الأسرة للتحدث أو اللعب الجماعي دون وجود الأجهزة الإلكترونية، لتقوية الروابط الأسرية وتعزيز التفاعل الحقيقي.
ختامًا، إن مسؤولية حماية الأطفال من آثار الإدمان الرقمي تقع أولاً على عاتق الأسرة. فالهاتف المحمول يمكن أن يكون أداة تعليمية وتنموية مفيدة، إذا تم استخدامه في إطار من التوازن والانضباط. وفي المقابل، قد يتحول إلى مصدر تهديد للصحة النفسية والجسدية، إذا تُرك دون رقابة أو حدود. إن بناء وعي الطفل الرقمي يبدأ من البيت، حيث يتشكل إدراكه، وتُرسم له معالم الطريق نحو استخدام مسؤول وآمن للتكنولوجيا.