عمر غازيكُتاب الترند العربي

المهارات الشخصية

عمر غازي

في أحد أيام عام 2019، جلس فريق من الباحثين في جامعة هارفارد يراجعون بيانات آلاف الخريجين الذين انطلقوا إلى سوق العمل خلال العقد الماضي، لم يكن السؤال الرئيسي هو من حصل على أعلى الدرجات أو من تخرج في أفضل الجامعات، بل كان الأمر أكثر تعقيدًا، إذ كانوا يبحثون عن القاسم المشترك بين أولئك الذين حققوا النجاح المهني السريع مقارنة بزملائهم، النتيجة لم تكن مفاجئة لمن يفهم قواعد اللعبة: النجاح لم يكن مرتبطًا فقط بالتحصيل الأكاديمي، بل بامتلاك مهارات شخصية تتجاوز المعرفة النظرية، فالتواصل الفعّال، والقدرة على العمل تحت الضغط، والتفكير النقدي، كلها عوامل لعبت دورًا حاسمًا في تقدم هؤلاء الأشخاص مقارنة بأقرانهم.

المهارات الشخصية ليست مجرد مكملات للنجاح، بل هي الأساس الذي يحدد مدى قدرة الإنسان على الاستفادة من معرفته العلمية وتوظيفها بشكل عملي، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد عام 2021 أن 85% من النجاحات في بيئات العمل تعتمد على المهارات الشخصية وليس على المعرفة التقنية وحدها، هذه النتيجة تُفسر لماذا قد يتفوق شخص يمتلك ذكاءً اجتماعيًا على آخر يحمل شهادة أكاديمية مرموقة لكنه يفتقر إلى القدرة على التفاوض أو اتخاذ القرار في اللحظات الحرجة.

في سوق العمل اليوم، لم يعد أصحاب الشركات يبحثون فقط عن الشهادات، بل عن الأشخاص القادرين على حل المشكلات وإدارة الأزمات والتعامل بمرونة مع التغيرات، تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2022 أكد أن أكثر المهارات المطلوبة خلال العقد المقبل لن تكون البرمجة أو الهندسة فقط، بل تشمل أيضًا مهارات التفكير النقدي، والتكيف، والذكاء العاطفي، وهذا يعني أن الأشخاص الذين يهملون تطوير مهاراتهم الشخصية، حتى لو كانوا عباقرة في مجالاتهم، سيجدون أنفسهم متأخرين في سباق الفرص.

لكن لماذا لا يُدرك الكثيرون أهمية المهارات الشخصية إلا متأخرًا؟ السبب يعود إلى التركيز المفرط على التعليم التقليدي الذي يضع المعرفة النظرية في الصدارة بينما يهمل بناء شخصية قادرة على التعامل مع الواقع، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد عام 2020 أن 70% من المؤسسات التعليمية لا تدرج المهارات الشخصية ضمن مناهجها بشكل كافٍ، مما يترك الخريجين غير مهيئين لمتطلبات سوق العمل الحقيقي.

المثير للاهتمام أن المهارات الشخصية ليست فطرية كما يظن البعض، بل يمكن تطويرها وصقلها، فالذكاء العاطفي ليس موهبة يولد بها البعض ويحرم منها الآخرون، بل هو قدرة يمكن بناؤها بالتدريب، كما أن مهارات التفاوض والتواصل يمكن تحسينها بالممارسة، دراسة من جامعة كاليفورنيا عام 2019 أظهرت أن الأشخاص الذين يخضعون لدورات تدريبية في التواصل الفعّال يزيد احتمال ترقيتهم بنسبة 45% مقارنة بزملائهم الذين يعتمدون فقط على مهاراتهم التقنية.

لكن السؤال الذي يبقى: لماذا يستثمر البعض في تطوير مهاراتهم الشخصية بينما يظل آخرون يعتقدون أن الشهادات تكفي وحدها؟ الإجابة تكمن في إدراك حقيقة بسيطة، وهي أن العالم لم يعد يكافئ من يعرف أكثر، بل من يستطيع توظيف معرفته بطريقة أكثر ذكاءً وتأثيرًا، فهل يمكن أن يتغير وعي المجتمعات ليصبح التعليم الحقيقي أكثر شمولًا بحيث يجمع بين المعرفة والمهارات معًا؟ أم أننا سنظل نخرج أجيالًا تعرف الكثير ولكنها لا تمتلك الأدوات اللازمة لتطبيقه في الواقع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى