السياحة العالمية تقترب من التعافي الكامل.. أرقام ما قبل «كورونا» تلوح في أفق 2026
الترند العربي – متابعات
رغم الزخم الواضح الذي يشهده قطاع السياحة العالمية خلال عام 2025، إلا أن العودة الكاملة إلى مستويات ما قبل جائحة «كورونا» لم تتحقق بعد، في مشهد يعكس تعافيًا متدرجًا ومتوازنًا أكثر مما يعكس قفزة سريعة أو عودة مفاجئة. ومع ذلك، تشير المؤشرات الدولية إلى أن القطاع بات على أعتاب مرحلة جديدة قد تشهد تجاوز تلك الأرقام اعتبارًا من عام 2026، مدفوعًا بتغيرات عميقة في سلوك المسافرين ونماذج التشغيل السياحي حول العالم.
القطاع الذي كان من أكثر القطاعات تضررًا خلال الجائحة، يبدو اليوم أكثر مرونة وقدرة على التكيف، مستفيدًا من دروس السنوات الماضية، ومن تحولات لم تعد ظرفية بل أصبحت جزءًا من بنية السياحة الحديثة.
تشير بيانات منظمة السياحة العالمية إلى أن أعداد الوافدين الدوليين بنهاية عام 2025 تقترب من 99 في المئة من مستويات عام 2019، وهو رقم يعكس اقترابًا شديدًا من التعافي الكامل، دون أن يعني ذلك عودة الصورة السابقة للسياحة العالمية كما كانت قبل الجائحة.

تعافٍ رقمي لا يعني تعافيًا تقليديًا
الاقتراب من أرقام ما قبل الجائحة لا يعني أن السياحة العالمية استعادت شكلها القديم، بل على العكس، فإن الأرقام المتقاربة تخفي وراءها تحولات جوهرية في طبيعة السفر، وأنماط الإنفاق، ونوعية التجارب التي يبحث عنها المسافرون.
فالسياحة الجماعية الضخمة، والرحلات السريعة ذات الطابع الاستهلاكي، لم تعد الخيار الأول لكثير من المسافرين، مقابل صعود واضح لما يُعرف بالسفر البطيء، والتجارب العميقة المرتبطة بالثقافة المحلية، والطبيعة، والاستدامة.
هذا التحول لا ينعكس فقط على الوجهات، بل يمتد إلى شركات الطيران، والفنادق، ووكالات السفر، التي باتت مضطرة لإعادة صياغة عروضها بما يتلاءم مع هذا المزاج الجديد.

المسافر الجديد.. وعي أعلى وتوقعات مختلفة
أفرزت تجربة الجائحة مسافرًا مختلفًا، أكثر وعيًا بالصحة، وأكثر حساسية تجاه الازدحام، وأكثر اهتمامًا بتجربة الرحلة نفسها لا مجرد الوصول إلى الوجهة.
المسافر في 2025 بات يبحث عن رحلات أطول، بوتيرة أبطأ، وتجارب أكثر تخصيصًا، حتى وإن كانت أقل عددًا خلال العام. كما أصبح عنصر الاستدامة حاضرًا بقوة في قرارات السفر، سواء من حيث اختيار وسائل النقل، أو أماكن الإقامة، أو الأنشطة السياحية.
هذا التحول فرض على الوجهات السياحية إعادة التفكير في استراتيجياتها، والانتقال من استقطاب الأعداد الضخمة إلى استهداف القيمة المضافة، وجودة التجربة، واستدامة الموارد.

2025 عام التوازن لا الذروة
يمكن توصيف عام 2025 بأنه عام التوازن في السياحة العالمية، حيث تلاقت فيه رغبة المسافرين في العودة إلى السفر، مع حرص الوجهات على عدم تكرار أخطاء الماضي المرتبطة بالاكتظاظ والضغط البيئي.
ورغم أن بعض الوجهات الكبرى اقتربت من تسجيل أرقام قياسية جديدة، فإن متوسط الأداء العالمي لا يزال أقل بقليل من مستويات 2019، نتيجة تفاوت التعافي بين المناطق، واستمرار بعض التحديات الاقتصادية والجيوسياسية.
آسيا، على سبيل المثال، لم تستعد كامل زخمها بعد في بعض الأسواق، في حين شهدت أوروبا وأمريكا الشمالية تعافيًا أسرع نسبيًا، مدعومًا بالبنية التحتية المتقدمة، واستقرار الطلب الداخلي.

النقل الجوي.. تعافٍ متفاوت
قطاع الطيران، بوصفه العمود الفقري للسياحة الدولية، شهد تعافيًا ملحوظًا في 2025، لكنه لم يصل هو الآخر إلى مستويات ما قبل الجائحة بشكل كامل في جميع المناطق.
ارتفاع تكاليف التشغيل، وتقلب أسعار الوقود، ونقص بعض الكوادر، أسهمت في إبقاء أسعار التذاكر عند مستويات مرتفعة نسبيًا، ما أثر على قرارات السفر لدى شرائح معينة من المسافرين.
ورغم ذلك، حافظ الطلب على قوته، خاصة في الرحلات الطويلة والوجهات التي تقدم تجارب متخصصة، مثل السياحة الصحية، والطبيعة، والمغامرات.

صعود السفر بالقطار
من أبرز التحولات اللافتة في 2025، الصعود المتسارع للسفر بالقطار، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث بات يُنظر إليه كخيار يجمع بين الاستدامة والراحة ومتعة الرحلة.
العديد من الدول استثمرت في تطوير خطوط سكك حديدية سياحية تمر عبر مسارات طبيعية خلابة، لتتحول الرحلة نفسها إلى جزء من التجربة السياحية، وليس مجرد وسيلة انتقال.
هذا الاتجاه أسهم في تقليل الاعتماد على الطيران في الرحلات المتوسطة، وفتح آفاق جديدة أمام سياحة داخلية وإقليمية أكثر استدامة.

الوجهات تعيد تعريف النجاح
لم تعد الوجهات السياحية تقيس نجاحها بعدد الزوار فقط، بل باتت مؤشرات مثل متوسط الإنفاق، ومدة الإقامة، ورضا الزوار، والاستدامة البيئية، عناصر أساسية في تقييم الأداء.
مدن كثيرة أعادت النظر في سياساتها السياحية، عبر تنظيم أعداد الزوار، وفرض قيود على بعض الأنشطة، وتشجيع السياحة خارج المواسم التقليدية، بهدف تحقيق توزيع أفضل للحركة السياحية على مدار العام.
هذه السياسات، وإن حدّت من النمو السريع في الأرقام، إلا أنها أسهمت في بناء نموذج أكثر استدامة، وهو ما يفسر جزئيًا لماذا لم تتجاوز الأرقام بعد مستويات 2019 رغم الطلب القوي.
السياحة المتخصصة تقود النمو
في قلب هذا التعافي المتدرج، برزت السياحة المتخصصة كمحرك رئيسي للنمو، سواء كانت سياحة صحية، أو سياحة استجمام، أو سياحة ثقافية، أو سياحة مغامرات.
هذه الأنواع من السياحة تتميز بإنفاق أعلى، ومدة إقامة أطول، وتأثير إيجابي أكبر على المجتمعات المحلية، ما جعلها محط اهتمام متزايد من الحكومات والمستثمرين.
كما أسهمت في جذب شرائح جديدة من المسافرين، ممن يبحثون عن تجارب فريدة بعيدًا عن المسارات السياحية التقليدية.
التوقعات تتجه إلى 2026
وفق التقديرات الدولية، فإن استمرار هذا المسار التصاعدي، مقرونًا باستقرار الأسواق، وتحسن الظروف الاقتصادية تدريجيًا، سيقود إلى تجاوز أعداد السياح لمستويات ما قبل الجائحة خلال عام 2026.
هذا التجاوز، وفق الخبراء، لن يكون مجرد عودة رقمية، بل بداية لمرحلة جديدة من السياحة العالمية، أكثر تنوعًا، وأكثر وعيًا، وأقل اعتمادًا على النماذج التقليدية التي سادت لعقود.
الثقة تعود تدريجيًا
عنصر الثقة لدى المسافرين عاد بشكل ملحوظ في 2025، سواء من حيث الاستعداد للحجز المسبق، أو السفر لمسافات أطول، أو الإنفاق على تجارب عالية القيمة.
هذه الثقة تعززت بفعل تحسن البنية الصحية العالمية، وتكيّف الأنظمة السياحية مع معايير السلامة، إلى جانب المرونة التي أظهرتها شركات الطيران والفنادق في سياسات الحجز والإلغاء.
السياحة بين الاقتصاد والمجتمع
لم يعد دور السياحة مقتصرًا على العائد الاقتصادي فقط، بل بات يُنظر إليها كأداة لدعم المجتمعات المحلية، وحماية التراث، وتعزيز التبادل الثقافي.
هذا الفهم الجديد انعكس في سياسات العديد من الدول، التي ربطت بين التعافي السياحي والتنمية المستدامة، بدل السعي وراء أرقام سريعة قد تضر بالبيئة والمجتمع على المدى الطويل.
تحديات ما زالت قائمة
رغم الصورة الإيجابية العامة، لا تزال السياحة العالمية تواجه تحديات حقيقية، من بينها التضخم، وتقلبات أسعار الطاقة، والتوترات الجيوسياسية، وتأثير التغير المناخي على بعض الوجهات.
هذه العوامل قد تُبطئ وتيرة التعافي في بعض المناطق، لكنها في الوقت ذاته تدفع القطاع إلى مزيد من الابتكار والتكيف.
2025 محطة عبور لا نهاية طريق
في المحصلة، يمكن اعتبار عام 2025 محطة عبور مهمة في مسار السياحة العالمية، حيث اقترب القطاع كثيرًا من استعادة عافيته الرقمية، لكنه في الوقت نفسه أعاد صياغة نفسه على أسس مختلفة.
الأرقام تقترب من الماضي، لكن الملامح تتجه إلى المستقبل، في صناعة تبدو اليوم أكثر نضجًا، وأكثر إدراكًا لأهمية التوازن بين النمو والاستدامة.
هل عادت السياحة العالمية إلى مستويات ما قبل كورونا؟
لم تعد بالكامل بعد، لكنها اقتربت بنسبة كبيرة تصل إلى نحو 99 في المئة من مستويات 2019 بنهاية 2025.
متى يُتوقع تجاوز أرقام ما قبل الجائحة؟
تشير التوقعات إلى إمكانية تجاوزها خلال عام 2026.
ما أبرز التغيرات في سلوك المسافرين؟
التحول نحو السفر البطيء، والتجارب المستدامة، وسياحة الطبيعة والصحة، والابتعاد عن السياحة الجماعية المكثفة.
هل تغيّرت طريقة قياس نجاح الوجهات السياحية؟
نعم، لم يعد العدد وحده معيار النجاح، بل الجودة، والاستدامة، ومتوسط الإنفاق، ورضا الزوار.
ما مستقبل السياحة بعد 2025؟
يتجه نحو نموذج أكثر استدامة وتخصصًا، مع تركيز على القيمة المضافة بدل الأعداد فقط.
اقرأ أيضًا: دوري روشن يشتعل في الجولة 11.. النصر يصنع التاريخ والهلال يضغط والأهلي يتوقف لأول مرة


