منوعات

هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء

الترند العربي – متابعات

في مشهد يخطف الأنفاس ويجمع بين العلم والجمال الخالص، وثّق رائد فضاء على متن محطة الفضاء الدولية ظاهرة «الهالة القمرية» في صورة نادرة التُقطت من ارتفاع يتجاوز 200 ميل فوق سطح الأرض، حيث بدا القمر محاطًا بقوس ضوئي رفيع يتلألأ فوق الحافة الزرقاء للكوكب، في لحظة بصرية استثنائية لا يمكن رؤيتها إلا من المدار.

الصورة، التي التُقطت أثناء مرور المحطة فوق المحيط الهندي، أظهرت القمر وكأنه منفصل عن الأرض، معلقًا فوق غلافها الجوي الرقيق، بينما تنحني طبقاته اللونية في تدرج مذهل من البرتقالي إلى الأزرق الداكن، في مشهد يعكس هشاشة الغلاف الجوي ودقّة التوازن الفيزيائي الذي يحكمه.

ظاهرة بصرية لا علاقة لها بالأساطير
رغم الطابع السحري الذي قد يوحي به المشهد، يؤكد العلماء أن «الهالة القمرية» ظاهرة فيزيائية بحتة، تنشأ نتيجة تفاعل ضوء القمر مع بلورات جليدية دقيقة عالقة في طبقات عليا من الغلاف الجوي، حيث ينكسر الضوء وينحني ويتشتت، مكوّنًا أقواسًا أو حلقات ضوئية حول القمر.

من موقع محطة الفضاء الدولية، يصبح هذا التفاعل أكثر وضوحًا، إذ يقع القمر في بعض الأحيان مباشرة خلف الغلاف الجوي على خط رؤية رائد الفضاء، ما يحوّل الهواء نفسه إلى عدسة كونية تعيد تشكيل الضوء أمام الكاميرا.

هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء
هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء

محطة الفضاء الدولية.. منصة مثالية للرصد
تدور محطة الفضاء الدولية في مدار أرضي منخفض على ارتفاع يزيد قليلًا على 200 ميل بحري، وهو موقع يضعها فوق معظم أنظمة الطقس والسحب، ويمنح رواد الفضاء زاوية رؤية فريدة للغلاف الجوي من الجانب، بدلًا من النظر إليه عموديًا كما هو الحال من سطح الأرض.

هذا المنظور الجانبي يسمح برؤية الطبقات الجوية وهي تتراص فوق بعضها البعض، ويكشف تفاصيل لا يمكن رصدها من الأسفل، مثل سماكة الغلاف الجوي، وتدرجاته اللونية، والظواهر الضوئية العابرة التي تحدث على حافته.

برنامج علمي يوثق الأرض من المدار
الصورة أُنجزت ضمن برنامج «ملاحظات الأرض من طاقم محطة الفضاء الدولية»، وهو برنامج علمي تابع لمركز جونسون الفضائي، يهدف إلى توثيق الأرض وغلافها الجوي واليابسة والمياه والضوء من منظور بشري مباشر، لأغراض علمية وتثقيفية وبحثية.

يعتمد البرنامج على الصور التي يلتقطها رواد الفضاء بأنفسهم، ما يمنح البيانات بعدًا إنسانيًا وبصريًا مختلفًا عن الصور الآلية التي تلتقطها الأقمار الصناعية.

هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء
هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء

تدرج طبقات الغلاف الجوي في لقطة واحدة
أحد أكثر عناصر الصورة إثارة هو وضوح طبقات الغلاف الجوي، حيث ظهرت التروبوسفير بلون برتقالي دافئ، تعلوها الستراتوسفير بلون أبيض باهت، ثم طبقة زرقاء داكنة تمثل طبقات عليا من الغلاف الجوي.

هذا التدرج اللوني ليس مجرد جمال بصري، بل دليل علمي على اختلاف كثافة الهواء وتركيبه الكيميائي ودرجة حرارته من طبقة إلى أخرى، وهو ما يؤثر مباشرة في كيفية انكسار الضوء وانتشاره.

الميزوسفير.. مسرح الجليد النادر
في أعلى المشهد، تقع طبقة الميزوسفير، وهي طبقة شديدة البرودة تمتد على ارتفاع يتراوح بين 30 و54 ميلًا، وتُعد من أبرد مناطق الغلاف الجوي للأرض، حيث يمكن أن تتشكل فيها بلورات جليدية مجهرية نادرة، تلعب دورًا حاسمًا في تكوين الهالة القمرية.

هذه البلورات لا تتشكل إلا في ظروف دقيقة جدًا من البرودة والرطوبة، ما يجعل ظهور الهالة القمرية من هذا المنظور حدثًا نادرًا يعتمد على تزامن عدة عوامل فيزيائية في الوقت نفسه.

هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء
هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء

كيف تتشكل الهالة القمرية علميًا
عندما يمر ضوء القمر عبر بلورات الجليد السداسية الشكل، ينكسر داخلها ويغيّر اتجاهه، مع انفصال طفيف للألوان، ما يؤدي إلى تكوّن أقواس أو حلقات ضوئية حول القمر.

التعريف العلمي الشائع للهالة القمرية يشير إلى حلقة ضوئية بزاوية تقارب 22 درجة حول القمر، مع منطقة أغمق داخل الدائرة، ويعود هذا القياس إلى خصائص انكسار الضوء في البلورات الجليدية ذات الأشكال الهندسية المحددة.

لماذا ظهر القوس وليس الحلقة الكاملة
في هذه الصورة تحديدًا، لم تظهر الهالة على شكل حلقة مكتملة، بل كقوس رفيع، لأن طبقة الجليد لم تكن تحيط بالقمر بالكامل من زاوية الرؤية، كما أن التغيرات الطفيفة في اتجاه البلورات قد تقطع الحلقة إلى منحنى مضيء جزئي.

تلعب هندسة البلورات دورًا أساسيًا في شكل الهالة، إذ تنحرف الصفائح والأعمدة السداسية الضوء بطرق مختلفة، ما يؤدي إلى تنوع أشكال الظاهرة بين حلقات كاملة وأقواس جزئية.

هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء
هالة من الفضاء.. رائد فضاء يوثّق ظاهرة قمرية نادرة فوق حافة الأرض الزرقاء

بلورات دقيقة في هواء رقيق
يمكن لبخار الماء أن يرتفع إلى طبقات عليا جدًا من الغلاف الجوي، حيث يلتقي بجزيئات غبار دقيقة ويتجمد، مكوّنًا بلورات جليدية مجهرية فوق السحب المعتادة.

تشير أبحاث حديثة إلى أن هذه الطبقات الجليدية العليا تزدهر في أكثر مناطق الصيف برودة، على ارتفاع يقارب 50 ميلًا، ما يجعلها شديدة الحساسية للتغيرات الطفيفة في درجات الحرارة والحركات الرأسية للهواء.

موجات الجاذبية ودورها الخفي
تلعب موجات الجاذبية الجوية دورًا مهمًا في تشكل هذه البنى الدقيقة، وهي تموجات تنتقل صعودًا في كثافة الهواء نتيجة العواصف أو التضاريس، ويمكن أن تخلق مناطق موضعية تتكاثف فيها البلورات الجليدية ثم تختفي بسرعة مع تغير الظروف.

هذا التفاعل الديناميكي يفسر لماذا تظهر الهالة القمرية أحيانًا بشكل مفاجئ ولمدد قصيرة، ثم تختفي دون أثر.

سنوات من الرصد غيّرت الفهم العلمي
كشفت سنوات طويلة من رصد الأقمار الصناعية والسحب الليلية المضيئة عن سلوكيات متغيرة لهذه الطبقات الجليدية، وعلاقتها الوثيقة بالطبقات الأدنى من الغلاف الجوي.

هذه النتائج غيّرت الفهم السابق لآلية تشكل الظواهر الضوئية العليا، وأظهرت أن الغلاف الجوي أكثر ترابطًا وتعقيدًا مما كان يُعتقد.

لماذا بدا القمر أقرب إلى الاكتمال
خلال مرور محطة الفضاء الدولية، كان القمر في طور التربيع المتزايد، لكن إعدادات التعريض في الكاميرا أضاءت كامل قرصه، ووسعت المناطق الساطعة على حافته، ما جعله يبدو أقرب إلى الشكل الدائري الكامل.

كما عززت فترات التعريض الأطول الوهج الخافت الناتج عن ضوء الأرض المنعكس على الجانب المظلم من القمر، وهي ظاهرة تُعرف باسم «ضياء الأرض»، ما أضفى نعومة إضافية على القرص القمري.

ضياء الأرض.. انعكاس كوكبي هادئ
ضياء الأرض يحدث عندما ينعكس ضوء الشمس عن سطح الأرض وسحبها، ليضيء الجانب غير المضاء مباشرة من القمر، وهي ظاهرة لطيفة لكنها ذات أهمية علمية، لأنها تعكس مدى إشعاع كوكبنا وقدرته على عكس الضوء.

في هذه الصورة، أسهم ضياء الأرض في تعزيز الإحساس بامتلاء القمر، ومنح المشهد توازنًا بصريًا فريدًا بين الضوء والظل.

المنظور البشري في مقابل الاستشعار الآلي
الصور التي يلتقطها رواد الفضاء من المدار تحمل قيمة خاصة، لأنها توثق لحظات اصطفاف عابرة قد تفوت على أجهزة الاستشعار الآلية، كما أنها تجمع بين الدقة العلمية والرؤية الإنسانية.

هذا المنظور البشري يحوّل الظواهر الفيزيائية المعقدة إلى مشاهد قابلة للفهم البصري، ويقرب العلم من الجمهور بطريقة مباشرة.

الهالة القمرية كدرس بصري في الفيزياء
تحوّل هذه الصورة قوسًا رفيعًا من الضوء إلى درس حي في فيزياء الضوء والغلاف الجوي، حيث يمكن رؤية الانكسار والتشتت والتدرج الطبقي في لقطة واحدة، دون الحاجة إلى معادلات أو رسوم توضيحية.

إنها مثال حي على كيف تعمل الفيزياء على نطاق كوكبي، وكيف تتفاعل عناصر بسيطة مثل الضوء والجليد والهواء لتنتج مشهدًا بالغ التعقيد.

الغلاف الجوي.. عدسة كوكبية رقيقة
أحد أهم الدروس التي تقدمها الصورة هو إبراز رقة الغلاف الجوي للأرض، الذي يبدو من المدار كخط رفيع يحتضن الكوكب، رغم كونه المسؤول عن حماية الحياة وتنظيم المناخ والطقس.

هذا الإدراك البصري يعزز الوعي بأهمية الحفاظ على هذا الغلاف الهش، الذي تتأثر توازناته بأي تغيرات بشرية أو طبيعية.

التقاء العلم والجمال في لحظة واحدة
الهالة القمرية كما رُصدت من محطة الفضاء الدولية تمثل لحظة نادرة يلتقي فيها العلم بالجمال الخالص، حيث تصبح الظاهرة الفيزيائية لوحة فنية، وتتحول البيانات العلمية إلى تجربة بصرية مؤثرة.

لماذا تُعد الصورة نادرة؟
ندرة الصورة لا تعود فقط إلى الظاهرة نفسها، بل إلى تزامن عدة عوامل، منها موقع المحطة، واصطفاف القمر، ووجود طبقة جليدية مناسبة، وإعدادات تصوير دقيقة، وكلها شروط لا تجتمع كثيرًا.

نافذة على ديناميكية الغلاف الجوي
تمنح هذه الصورة العلماء نافذة إضافية لفهم ديناميكية الغلاف الجوي العلوي، وكيف تتفاعل طبقاته مع الضوء والطاقة، وهو مجال بحثي مهم لفهم الطقس الفضائي والتغيرات المناخية طويلة الأمد.

رسالة علمية تتجاوز اللحظة
بعيدًا عن الإبهار، تحمل الصورة رسالة علمية مفادها أن الغلاف الجوي نظام حي متغير، وأن دراسته من زوايا جديدة قد تكشف تفاصيل لم تكن واضحة من قبل.

الهالة القمرية بين العلم والإلهام
بالنسبة للجمهور العام، تذكّر هذه الصورة بأن الكون ما زال مليئًا بالمشاهد التي تثير الدهشة، وبأن العلم لا يفسر الجمال فحسب، بل يزيده عمقًا ومعنى.

صورة تختصر العلاقة بين الأرض والفضاء
في النهاية، تختصر هذه اللقطة العلاقة الدقيقة بين الأرض والفضاء، حيث يقف رائد الفضاء شاهدًا على تفاعل الضوء والهواء والجليد، في مشهد لا يمكن رؤيته إلا من حافة الفضاء.

ما هي الهالة القمرية؟
هي ظاهرة ضوئية تتشكل حول القمر نتيجة انكسار ضوئه في بلورات جليدية دقيقة موجودة في طبقات عليا من الغلاف الجوي.

لماذا تظهر أحيانًا كقوس وليس حلقة كاملة؟
لأن طبقة البلورات قد لا تحيط بالقمر بالكامل من زاوية الرؤية، أو بسبب اختلاف اتجاه البلورات.

ما دور محطة الفضاء الدولية في رصد الظاهرة؟
موقعها فوق السحب يمنح زاوية رؤية جانبية فريدة للغلاف الجوي، تكشف تفاصيل لا تُرى من سطح الأرض.

ما سبب تدرج ألوان الأفق في الصورة؟
يعود إلى اختلاف كثافة وتركيب طبقات الغلاف الجوي وتأثيرها على تشتت الضوء.

لماذا بدا القمر شبه مكتمل؟
بسبب إعدادات التعريض الطويلة التي أضاءت كامل قرص القمر وعززت ضياء الأرض المنعكس عليه.

اقرأ أيضًا: عام الانتصارات الخضراء.. كيف قلب 2025 موازين المناخ من القضاء إلى الطاقة النظيفة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى