من المزرعة إلى الكوب العالمي.. كيف تعيد السعودية رسم مستقبل البن المحلي؟
الترند العربي – متابعات
في لحظة فارقة من مسار تطوير الصناعات الزراعية غير التقليدية، أعلنت الشركة السعودية للقهوة، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة، إطلاق النسخة الثالثة من مسابقة “محصول التميز السعودي” (Gems of Saudi)، في خطوة تعكس التحول العميق الذي تشهده المملكة في التعامل مع البن بوصفه منتجًا اقتصاديًا وثقافيًا واستراتيجيًا، لا مجرد محصول زراعي موسمي.
المبادرة الجديدة، التي تُقام بالتعاون مع منظمة Alliance for Coffee Excellence (ACE)، تأتي ضمن رؤية متكاملة تهدف إلى تمكين المزارعين السعوديين، ورفع جودة البن المحلي، وربط مناطق الإنتاج الجنوبية بسلاسل القيمة العالمية لصناعة القهوة المختصة، في انسجام واضح مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة.
القهوة السعودية.. من رمز ضيافة إلى صناعة وطنية
لطالما ارتبطت القهوة بالهوية الثقافية السعودية، بوصفها عنصرًا أصيلًا في المجالس والضيافة والتقاليد الاجتماعية، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت انتقال هذا الارتباط من الإطار الرمزي إلى الإطار الاقتصادي المنظم، حيث بدأت القهوة تتحول إلى قطاع إنتاجي متكامل تدعمه الدولة من الزراعة وحتى التصدير.
وتُمثل مسابقة “محصول التميز السعودي” أحد أبرز الأدوات العملية في هذا التحول، إذ لا تكتفي بتكريم أفضل المحاصيل، بل تعمل على بناء منظومة جودة ومعايير تضع البن السعودي في موقع تنافسي مع أشهر مناطق إنتاج القهوة في العالم مثل أمريكا اللاتينية وشرق أفريقيا.

نسخة ثالثة بخبرات متراكمة
إطلاق النسخة الثالثة من المسابقة يعكس نجاح النسختين السابقتين في تحقيق أهداف ملموسة، سواء على مستوى رفع جودة المحاصيل، أو تحسين وعي المزارعين، أو تعزيز سمعة البن السعودي في الأوساط المتخصصة.
وخلال الدورات السابقة، شهدت المسابقة مشاركة متزايدة من مزارعي البن في مناطق جازان والباحة وعسير، حيث أظهرت النتائج تطورًا ملحوظًا في تقنيات الزراعة والمعالجة، إلى جانب ارتفاع درجات التقييم الحسي للبن المشارك، ما أسهم في فتح قنوات جديدة للتسويق والتصدير.
تمكين المزارع.. جوهر المبادرة
تركّز الشركة السعودية للقهوة في هذه المسابقة على المزارع بوصفه حجر الأساس في سلسلة القيمة، حيث يتم التعامل معه كشريك في التنمية لا كمورد خام فقط.
وتشمل آليات التمكين برامج تدريب متخصصة، وتقييمات فنية دقيقة، وإشرافًا مباشرًا من خبراء عالميين، بما يساعد المزارعين على فهم متطلبات الأسواق العالمية، وكيفية تحسين جودة المحصول من حيث النكهة، والمعالجة، والتخزين، والاستدامة البيئية.

دور منظمة ACE في ضمان المعايير العالمية
التعاون مع منظمة Alliance for Coffee Excellence يمنح المسابقة بعدًا دوليًا، حيث تُعد المنظمة واحدة من أبرز الجهات العالمية المعتمدة في تقييم القهوة المختصة وتنظيم مسابقات الجودة.
ويشارك خبراء المنظمة في عمليات التحكيم والتذوق، وفق بروتوكولات صارمة تعتمد على معايير حسية وتقنية دقيقة، ما يضمن أن البن الفائز في المسابقة يواكب أرقى المعايير المعتمدة عالميًا، ويعزز ثقة الأسواق الدولية بالمنتج السعودي.
المناطق الجنوبية.. قلب إنتاج البن السعودي
تُعد مناطق جازان والباحة وعسير الحاضنة الطبيعية للبن السعودي، نظرًا لخصائصها المناخية والجغرافية الفريدة، التي تتيح زراعة البن على ارتفاعات مناسبة، وبأساليب تقليدية متوارثة عبر أجيال.
وتركز المسابقة على إبراز هذه الخصوصية، ليس فقط بوصفها ميزة زراعية، بل كقيمة ثقافية تضيف للبن السعودي هوية مميزة في سوق القهوة المختصة، حيث يبحث المستهلكون عن القصص المرتبطة بالمصدر، والبيئة، والمجتمع المحلي.
من الزراعة التقليدية إلى الابتكار الزراعي
أحد التحولات اللافتة التي رافقت إطلاق المسابقة يتمثل في دمج التقنيات الحديثة بأساليب الزراعة التقليدية، حيث بات المزارعون يستخدمون أدوات تحليل التربة، وإدارة المياه، وتقنيات المعالجة الحديثة، دون فقدان الطابع التراثي للمحصول.
هذا التوازن بين الأصالة والابتكار أسهم في تحسين الإنتاجية، وتقليل الفاقد، ورفع جودة الحبوب، بما يعزز الاستدامة الاقتصادية والبيئية في آن واحد.
القهوة المختصة.. سوق عالمي متعطش للجودة
يشهد سوق القهوة المختصة نموًا متسارعًا على مستوى العالم، مدفوعًا بتغير أذواق المستهلكين وارتفاع الطلب على المنتجات عالية الجودة ذات المصدر الواضح.
وتسعى الشركة السعودية للقهوة، من خلال المسابقة، إلى إدخال البن السعودي بقوة في هذا السوق، مستفيدة من السمعة المتنامية للمملكة في مجالات الجودة والتنظيم والابتكار، ومن الطلب المتزايد على المنتجات ذات البعد الثقافي.
أثر اقتصادي يتجاوز المزرعة
لا يقتصر تأثير المسابقة على المزارعين فقط، بل يمتد إلى المجتمعات المحلية في المناطق المنتجة، حيث تسهم في خلق فرص عمل، وتنشيط الاقتصاد المحلي، ودعم الصناعات المرتبطة بالقهوة مثل التحميص، والتغليف، والسياحة الزراعية.
كما تسهم المبادرة في تعزيز سلاسل الإمداد المحلية، وربطها بالأسواق العالمية، ما يخلق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني.
القهوة السعودية ورؤية 2030
تنسجم مسابقة “محصول التميز السعودي” مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، خصوصًا فيما يتعلق بتنويع مصادر الدخل، ودعم القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاستدامة.
وتعكس المبادرة توجه الدولة نحو الاستثمار في المنتجات المحلية ذات الميزة التنافسية، وتحويلها إلى علامات تجارية عالمية قادرة على المنافسة في الأسواق الدولية.
تصريحات تعكس الرؤية الاستراتيجية
أكد المدير التنفيذي لتطوير الأعمال في الشركة السعودية للقهوة، خلدون طوقان، أن نسخة عام 2026 من المسابقة تُعد من أبرز المبادرات الاستراتيجية لتعزيز جودة البن السعودي، وتمكين المزارعين وفق معايير عالمية، بما يعزز حضور المملكة في خارطة القهوة المختصة.
وأشار إلى أن المسابقة تمثل جزءًا من جهود متكاملة لتطوير صناعة القهوة محليًا، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في المناطق الجنوبية، وبناء صناعة وطنية ذات طابع عالمي.
هوية ثقافية في فنجان قهوة
تسعى المبادرة أيضًا إلى إبراز الهوية الثقافية للبن السعودي، بوصفه جزءًا من التراث الوطني، حيث لا يُنظر إلى القهوة كمنتج تجاري فحسب، بل كقصة تحمل في تفاصيلها تاريخ المكان، وجهد الإنسان، وخصوصية البيئة.
وهذا البعد الثقافي يُعد عنصرًا أساسيًا في تسويق القهوة المختصة عالميًا، حيث أصبحت القصة لا تقل أهمية عن النكهة.
ما هي مسابقة محصول التميز السعودي؟
هي مبادرة وطنية تهدف إلى رفع جودة البن السعودي وتمكين المزارعين وربطهم بالأسواق العالمية.
من يشرف على تقييم البن في المسابقة؟
تشرف منظمة Alliance for Coffee Excellence على التقييم والتحكيم وفق معايير عالمية.
ما المناطق المستفيدة من المسابقة؟
تستهدف المسابقة مناطق جازان والباحة وعسير بوصفها مناطق الإنتاج الرئيسية للبن السعودي.
كيف تدعم المسابقة رؤية 2030؟
من خلال تنويع الاقتصاد، ودعم الاستدامة، وتمكين المجتمعات المحلية، وتعزيز الصادرات غير النفطية.
اقرأ أيضًا: محمية الملك سلمان.. واحة خضراء تعيد رسم مستقبل الطبيعة في قلب الجزيرة العربية

