بئر الهُجيم… شاهد ماءٍ صامت على سيرة العابرين في المدينة المنورة
الترند العربي – متابعات
في المدينة المنورة، حيث تختلط الجغرافيا بالقداسة، والتاريخ بالحياة اليومية، تقف بئر «الهُجيم» بوصفها أحد المعالم التي لم تكتفِ بأن تكون مصدرًا للماء، بل تحوّلت عبر القرون إلى شاهدٍ حي على مسارات العابرين، وروايات السيرة، وتحولات المكان، وبقاء الذاكرة. ليست بئر الهُجيم مجرد حفرة مائية في أرض قديمة، بل معلم تاريخي ارتبط بالمكان والزمان والإنسان، واحتفظ بخصوصيته رغم تغيّر العمران وتبدّل طرق الحياة.

الموقع الجغرافي لبئر الهُجيم ودلالاته
تقع بئر الهُجيم في الجهة الجنوبية الغربية من منطقة العُصيبة في المدينة المنورة، وعلى مسافة تقارب 1450 مترًا من مسجد قباء، أول مسجد أُسس في الإسلام. هذا القرب المكاني من أحد أهم المعالم الإسلامية يمنح البئر بعدًا إضافيًا، إذ لم تكن في موقع عابر، بل في نطاق جغرافي ارتبط بحركة الناس والقبائل والمسافرين، وبالطرق المؤدية إلى داخل المدينة وخارجها.
ويحيط بالبئر نطاق طبيعي متكامل، حيث تمتد واحة من النخيل التي تعكس طبيعة المدينة الزراعية القديمة، فيما تحف بها ممرات طبيعية تشكّلت بفعل الاستخدام البشري المستمر عبر الزمن. هذا الموقع جعل من البئر محطة طبيعية للتزود بالماء، وملتقى للعابرين، ونقطة استراحة في طريق السفر.

بئر الهُجيم في الروايات التاريخية والسيرة النبوية
تحظى بئر الهُجيم بمكانة خاصة في الذاكرة الدينية، إذ تذكر الروايات أن النبي ﷺ مرّ بالمنطقة، وصلى في المسجد المحاذي للبئر. هذا المرور لم يكن حدثًا عابرًا في الوعي الإسلامي، بل منح المكان رمزية روحية، جعلته حاضرًا في كتب التاريخ المحلي وروايات أهل المدينة.
ارتباط البئر بالسيرة النبوية لا يُختزل في مجرد المرور، بل في كونها جزءًا من بيئة المدينة التي تشكّلت فيها ملامح المجتمع الإسلامي الأول. فالماء، في ذلك السياق، لم يكن عنصرًا حياتيًا فقط، بل كان جزءًا من منظومة الاستقرار، والعمران، والعبادة، والتنقل.

وادي رانوناء… شريان الماء الخفي
تُغذّى بئر الهُجيم بمياه وادي رانوناء، أحد الأودية المعروفة في المدينة المنورة. هذا الوادي كان عبر التاريخ شريانًا مائيًا مهمًا، يمد الآبار والمزارع بالمياه، ويؤثر في توزيع السكان والأنشطة الزراعية.
غير أن ما يميّز بئر الهُجيم أن عين مائها ما زالت مجهولة منذ القرن العاشر الهجري، بحسب ما تذكره المصادر التاريخية. هذا الغموض أضفى على البئر طابعًا فريدًا، وجعلها محط اهتمام الباحثين والمؤرخين، الذين يرون في استمرار تدفقها المائي رغم غياب معرفة دقيقة بمصدره دليلًا على الخصائص الجيولوجية المعقّدة للمنطقة.

الطبيعة الجيولوجية المحيطة بالبئر
يحيط بالبئر جبل الحرة السوداء من جهة القعر، وهي من التكوينات البركانية المعروفة في المدينة المنورة. هذا التكوين الجيولوجي لعب دورًا في تشكيل مسارات المياه الجوفية، وفي احتفاظ المنطقة بموارد مائية عبر فترات زمنية طويلة.
وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن الحرات البركانية، رغم مظهرها القاسي، تُعد أحيانًا خزانات طبيعية للمياه، حيث تتسرب الأمطار إلى الشقوق الصخرية وتُخزن في طبقات عميقة، قبل أن تظهر في صورة عيون أو تغذية للآبار، وهو ما يفسّر استمرار تدفق المياه في بئر الهُجيم.

البئر كجزء من منظومة الآبار التاريخية في المدينة
عرفت المدينة المنورة تاريخيًا بكثرة آبارها، التي شكّلت عصب الحياة اليومية قبل ظهور شبكات المياه الحديثة. وكانت الآبار موزعة بعناية، تخدم الأحياء، والمساجد، والطرق، والمزارع.
وبئر الهُجيم واحدة من هذه الآبار التي لعبت دورًا وظيفيًا واجتماعيًا، إذ لم تكن مخصصة لفئة بعينها، بل كانت متاحة للعابرين، وسكان المنطقة، والمسافرين، ما جعلها رمزًا للتكافل، والضيافة، واستمرارية الحياة.
البعد الإنساني والاجتماعي لبئر الهُجيم
على مدار قرون، لم تكن البئر مجرد مورد مائي، بل مساحة تفاعل إنساني. عندها التقى المسافرون، وتبادلوا الأخبار، واستراحوا من عناء الطريق. وكانت مصدر أمان في بيئة صحراوية قاسية، حيث يعني وجود الماء استمرار الحياة.
هذا البعد الإنساني جعل من بئر الهُجيم جزءًا من ذاكرة المكان، وارتبطت بها قصص شفوية تناقلها أهل المدينة، تعكس علاقتهم بالماء، وبالطريق، وبالزمن.
التغير العمراني وبقاء البئر
رغم التحولات العمرانية الكبيرة التي شهدتها المدينة المنورة، وبروز شبكات المياه الحديثة، بقيت بئر الهُجيم قائمة، شاهدة على حقبة مختلفة من تاريخ المدينة. هذا البقاء لا يُعد مصادفة، بل يعكس وعيًا بأهمية الحفاظ على المعالم التاريخية، بوصفها جزءًا من الهوية الثقافية والدينية.
وتحوّلت البئر اليوم إلى معلم يُزار، لا بقصد التزوّد بالماء، بل للتأمل في التاريخ، واستحضار صورة المدينة كما كانت، وربط الحاضر بالماضي.
القيمة التراثية لبئر الهُجيم
تُعد بئر الهُجيم نموذجًا للتراث المائي في المدينة المنورة، الذي يجمع بين الوظيفة التاريخية والرمزية الدينية. الحفاظ على هذا النوع من المعالم لا يقتصر على الصيانة المادية، بل يشمل توثيق الروايات، وإدراجها ضمن المسارات الثقافية والسياحية، وتعريف الأجيال الجديدة بأهميتها.
ويمثل هذا النوع من المعالم فرصة لتعزيز السياحة الثقافية، وربط الزائر بتاريخ المدينة خارج إطار المعالم الكبرى المعروفة فقط.
المدينة المنورة والماء… علاقة تاريخية
ارتبطت المدينة المنورة تاريخيًا بالماء ارتباطًا وثيقًا، إذ شكّلت الآبار والأودية عنصرًا حاسمًا في استقرار السكان، ونمو الزراعة، وتشكيل العمران. وبئر الهُجيم مثال واضح على هذه العلاقة، حيث جمعت بين الموقع، والماء، والإنسان.
وفهم هذه العلاقة يساعد في قراءة تاريخ المدينة قراءة أعمق، تتجاوز الأحداث الكبرى إلى تفاصيل الحياة اليومية.
بئر الهُجيم في الوعي المعاصر
في العصر الحديث، باتت بئر الهُجيم حاضرة في الخطاب التراثي، وفي اهتمام الباحثين والمهتمين بتاريخ المدينة. ومع تنامي الوعي بأهمية الحفاظ على التراث، تبرز الحاجة إلى إدماج هذا النوع من المعالم في البرامج الثقافية والتعليمية.
فالمكان لا يروي قصة ماء فقط، بل قصة مدينة، وإنسان، وزمن طويل من التفاعل المستمر.
أين تقع بئر الهُجيم؟
تقع بئر الهُجيم في الجهة الجنوبية الغربية من منطقة العُصيبة في المدينة المنورة، على بعد نحو 1450 مترًا من مسجد قباء.
ما سبب الأهمية التاريخية لبئر الهُجيم؟
ترجع أهميتها إلى ارتباطها بروايات السيرة النبوية، ومرور النبي ﷺ بالمنطقة، إضافة إلى دورها التاريخي كمصدر ماء للعابرين وسكان المنطقة.
ما مصدر مياه بئر الهُجيم؟
تُغذّى البئر بمياه وادي رانوناء، فيما تبقى عين مائها الدقيقة مجهولة منذ القرن العاشر الهجري.
هل ما زالت بئر الهُجيم مستخدمة اليوم؟
لم تعد البئر تُستخدم كمصدر رئيسي للمياه، لكنها قائمة بوصفها معلمًا تاريخيًا وتراثيًا يُزار ويُوثّق.
لماذا تُعد بئر الهُجيم معلمًا تراثيًا مهمًا؟
لأنها تجمع بين القيمة الدينية، والتاريخية، والإنسانية، وتمثل جزءًا من منظومة الآبار التي شكّلت حياة المدينة المنورة عبر القرون.
اقرأ أيضًا: كأس العرب 2025.. الأردن والمغرب وجهًا لوجه في المشهد الختامي


