أنتاركتيكا تتصدر سجل البرودة عالميًا.. درجات حرارة تفوق تجميد الفريزر بخمسة أضعاف
الترند العربي – متابعات
تشهد القارة القطبية الجنوبية هذه الأيام انخفاضات غير مسبوقة في درجات الحرارة جعلتها المنطقة الأبرد على سطح الأرض، وفق ما أكده أستاذ المناخ بجامعة القصيم سابقًا الدكتور عبدالله المسند، الذي أوضح في تصريحاته أن البرودة الحالية تجاوزت معدلات الانجماد المعتادة لتصل إلى مستويات تفوق برودة الفريزر المنزلي بخمسة أضعاف، في مشهد مناخي يعكس تباينًا فلكيًا ومناخيًا بين نصفي الكرة الأرضية خلال هذا الوقت من العام. ويشير هذا الانخفاض الحاد إلى طبيعة فريدة للنظام المناخي الذي تتحكم فيه دورات حرارية معقدة، أهمها زاوية سقوط أشعة الشمس على القطب الجنوبي، ارتفاع القارة عن مستوى سطح البحر، واتساع الغطاء الجليدي الذي يعمل كعاكس طبيعي للإشعاع الشمسي.
ورغم أننا نعيش فترة يُفترض أنها أكثر دفئًا نسبيًا في جنوب الأرض مقارنة ببداية الشتاء في النصف الشمالي، فإن القارة القطبية تظل حالة شاذة عن أنماط الفصول التقليدية، حيث تستمر درجات حرارتها في الانخفاض حتى في المواسم التي تُصنف مناخيًا ضمن الفترات الأقل حدة. ويعزو العلماء هذا السلوك المناخي إلى خصائص جيولوجية فريدة؛ فسطح أنتاركتيكا يرتفع لآلاف الأمتار فوق مستوى سطح البحر، بينما تحيط بها تيارات محيطية باردة تشكّل حاجزًا طبيعيًا يمنع وصول الكتل الدافئة من المحيطات الأخرى، ما يجعل القارة في عزلة حرارية شبه دائمة لا تتيح لها اكتساب الدفء بسهولة.

تباين حراري واضح بين القطبين
أوضح المسند أن المرتبة الثانية في البرودة تُسجّل في شمال الكرة الأرضية، وتحديدًا في مناطق شمال روسيا والدائرة القطبية الشمالية، حيث تهبط درجات الحرارة إلى مستويات قاسية نتيجة الانخفاض الإشعاعي وتراكم الكتل الهوائية الباردة القادمة من القطب. إلا أن الفارق يبقى جوهريًا بين القطبين؛ فالقطب الشمالي محيط متجمد تغطيه طبقة من الجليد البحري المتغير، بينما القطب الجنوبي قارة صخرية شاهقة مغطاة بجليد قاري ثابت، ما يجعل الجنوب أكثر قدرة على الاحتفاظ بالبرودة وتسجيل درجات حرارة قياسية.
ويؤدي هذا التباين إلى اختلافات حادة في حركة الرياح، توزيع الضغط الجوي، وشكل العواصف القطبية التي تتكوّن في كل نصف من نصفي الأرض. ففي الشمال تتشكل العواصف فوق المحيطات المتجمدة، بينما في الجنوب تنشأ فوق مساحات برية جليدية، ما يمنحها استقرارًا حراريًا أعلى ويجعل فقدان الحرارة أكثر سرعة وعمقًا.

النظام المناخي بين الفصول والحركة المدارية
يرى المسند أن اختلاف درجات الحرارة بهذا الشكل يعكس دقة النظام الكوني الذي خلقه الله، حيث تتوزع الحرارة وفق ميلان محور الأرض وحركتها حول الشمس، ما يؤدي إلى اختلاف الفصول بين نصفي الأرض. ومع دخول الدول الواقعة شمال الأرض مراحل الشتاء القارص، يبدأ الجنوب في استقبال الصيف الفلكي، إلا أن أنتاركتيكا تخرج من معادلة الدفء نظرًا لطبيعتها العازلة وقدرتها المستمرة على عكس الإشعاع الشمسي إلى الفضاء.
هذا الانعزال الحراري يجعل القارة بمثابة صمام توازن للكوكب، إذ تسهم في تبريد الغلاف الجوي عبر امتصاص جزء من الطاقة الحرارية ومنع ارتفاعها إلى مستويات تؤدي إلى خلل في النظام المناخي العالمي. ويتفق باحثون في علوم المناخ على أن القطب الجنوبي يؤدي دورًا حيويًا في استقرار المنظومة الحرارية للأرض عبر إعادة توزيع الهواء البارد نحو خطوط العرض العليا.

كيف تتشكل البرودة القاسية في القارة الجنوبية؟
تتشكل هذه البرودة الشديدة عبر سلسلة تفاعلات مناخية تشمل الرياح الكاتاباتية التي تهبط من المرتفعات الجليدية نحو السواحل بسرعة عالية، ما يؤدي إلى سحب الهواء الدافئ من الطبقات العليا وتحفيز مزيد من الانخفاض الحراري. كما توجد ظاهرة التيار المحيطي القطبي الذي يدور حول القارة بشكل دائري مستمر ويمنع دخول المياه الدافئة، إضافة إلى سماكة الجليد التي تُقدر في بعض المناطق بأكثر من أربعة كيلومترات، ما يجعل الحرارة الشمسية غير قادرة على اختراق السطح أو رفع درجة حرارة الطبقات الداخلية.
القارة القطبية كمختبر طبيعي
تعد أنتاركتيكا من أكبر مصادر البيانات التاريخية للمناخ، إذ يحتفظ الجليد فيها بسجل متراكم للغلاف الجوي عبر ملايين السنين. ويستخرج العلماء عينات جليدية تحتوي على فقاعات هواء محبوسة تعود لعصور ما قبل التاريخ، ما يسمح لهم بدراسة تركيبة الغازات ونسب ثاني أكسيد الكربون وفهم التغيرات المناخية عبر العصور.
ويُنظر إلى القارة باعتبارها “مرآة مستقبل الأرض”، حيث قد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى تسارع ذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع مستوى المياه في المحيطات، ما يشكل تهديدًا واضحًا للمناطق الساحلية المنخفضة حول العالم، وهو سيناريو تخضعه الأمم المتحدة سنويًا للدراسة والمراقبة.
انعكاسات الظاهرة على العالم العربي
ورغم بُعد موقع القارة عن الخرائط الجغرافية الإقليمية، إلا أن تأثيرها يتجاوز حدودها ليصل إلى أنظمة الطقس في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بفعل تذبذب التيارات الهوائية المتجهة من وإلى القطبين. وقد يؤدي انخفاض حرارة الجنوب إلى تعديل مسارات الضغط الجوي العليا، وهو ما قد ينعكس على مواسم الأمطار في المنطقة أو شدة الرياح الموسمية، إضافة إلى التأثير على حركة الأعاصير ودوامات الغبار في المناطق الصحراوية.
ويؤكد الخبراء أن متابعة هذه الظواهر ليست رفاهية علمية، بل ضرورة لحماية الأمن المناخي والغذائي للدول التي تعتمد على المواسم المطرية في الزراعة وتعويض شح المياه.
بين التفسير العلمي والإيمان بخلق متقن
يختتم المسند حديثه بتأكيد أن هذه الظواهر ليست مجرد معادلات فيزيائية منفصلة بل جزء من خلق متوازن، مشيرًا إلى أن التباين الحراري بين القطبين يعكس حكمة في توزيع الطاقة على سطح الكوكب بشكل يحفظ الحياة ولا يسمح باضطراب مفاجئ لهذه المنظومة. ويستشهد بتعبير “ولله في خلقه شؤون” لربط العلوم الطبيعية بالبُعد الكوني الذي يجعل من الطبيعة درسًا مستمرًا في الإبداع الإلهي.
هذا الربط بين العلم والإيمان يمنح القارئ فهمًا شاملًا للظاهرة؛ فهي ليست حدثًا عابرًا بل جزء من نظام محكم ينسجم فيه العلم مع الاعتبار الروحي دون تعارض.
قراءة ختامية في دلالات البرودة القطبية
تكشف موجات البرودة المسجلة في القارة القطبية الجنوبية عن مرحلة حساسة من التطور المناخي العالمي، حيث تعكس هذه الظواهر طبيعة التوازن الحراري للأرض وقدرتها على امتصاص الفروقات المناخية بين الفصول، ما يمنع حدوث اختلالات حادة في المناخ العالمي. ورغم صعوبة التنبؤ بالمستقبل المناخي بدقة، إلا أن المؤشرات تؤكد أن القطب الجنوبي سيظل محورًا رئيسيًا في فهم الأنظمة البيئية الكبرى، وسيبقى أحد أهم المفاتيح العلمية لدراسة الاحتباس الحراري والارتفاع المحتمل في منسوب مياه البحار.
وبينما تراقب المؤسسات العلمية هذه التحولات، تبقى الأسئلة مفتوحة حول قدرة البشرية على التعامل مع التغيرات المناخية الكبرى، ومدى استعداد الدول للتأقلم مع سيناريوهات مستقبلية قد تُغيّر شكل الحياة في المناطق الساحلية والزراعية حول العالم.
ما سبب وصول درجات الحرارة في القارة القطبية إلى هذا المستوى؟
تتحكم عدة عوامل في ذلك، أبرزها ارتفاع القارة، انعكاس الإشعاع الشمسي عن سطح الجليد، التيار المحيطي القطبي، والجفاف الشديد في الغلاف الجوي.
هل هذه الظاهرة مرتبطة بالتغير المناخي العالمي؟
هي جزء من الدورة المناخية الطبيعية، لكنها تكتسب أهمية أكبر عند ربطها بذوبان الجليد وارتفاع حرارة المحيطات، ما قد يؤدي إلى تغييرات واسعة في الأنظمة البيئية.
هل يمكن أن تتأثر المنطقة العربية بموجات البرد القطبية الجنوبية؟
نعم بشكل غير مباشر، عبر تأثيرها على حركة التيارات الهوائية والضغط الجوي الذي ينعكس على مواسم الأمطار وحركة الرياح في الشرق الأوسط.
لماذا القطب الجنوبي أبرد من القطب الشمالي؟
بسبب كونه قارة صخرية مرتفعة مغطاة بجليد ثابت وكثيف، بينما القطب الشمالي محيط متجمد أقل قدرة على حفظ البرودة العميقة.
اقرأ أيضًا: هيكل عظمي شبه كامل.. اكتشاف بقايا أحد أقدم الديناصورات في العالم بالأرجنتين


