العالم العربيسياسةسياسة العالم

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

الترند العربي – متابعات

في صباحٍ بدا أكثر صمتًا من المعتاد، رحل الصحفي الفلسطيني صالح عامر فؤاد الجعفراوي، أحد أبرز الوجوه الإعلامية التي وثّقت الحرب على غزة، بعد أن اغتاله الرصاص خلال اشتباكات مسلحة جنوب مدينة غزة، في لحظة بدت كأنها نهاية مفتوحة لقصة طويلة من الضوء في زمن الظلام.

لم يكن الجعفراوي مجرد ناقلٍ للخبر، بل كان جزءًا من المشهد نفسه، ابنًا للمأساة وشاهدًا على وجعها، حتى صار وجهه مألوفًا في كل بيت عربي يتابع أخبار القطاع عبر مقاطع مصوّرة حملت صوته وعينيه ودموعه. رحل بعد عامين من الحرب التي غيّرت ملامح غزة، وبعد أيام قليلة من وقف إطلاق النار، وكأن القدر أصرّ أن يختم فصوله الأخيرة بشهادةٍ تُعيد تعريف معنى البقاء.

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية
استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

وداعٌ يشبه الحكاية

أكدت وزارة الداخلية في غزة ومصادر محلية متطابقة أن الجعفراوي استُشهد صباح الأحد 12 أكتوبر 2025 خلال اشتباك مسلح دار بين عناصر من حركة حماس وعائلة فلسطينية في حيٍّ جنوبي المدينة. وأوضحت التحقيقات الأولية أنه كان يحاول التوسط وتهدئة الموقف عندما باغتته رصاصة في الصدر أردته شهيدًا على الفور.

انتشرت صور جثمانه ملفوفًا بالكوفية الفلسطينية على مواقع التواصل خلال دقائق، لتتحول غزة إلى مأتم مفتوح، إذ لم يكن صالح مجرد صحفي، بل صوتًا إنسانيًا حمل معاناة الناس بلا خوف، وصورته صارت رمزًا للشجاعة في وجه الموت.

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية
استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

سيرة مقاومة بالكلمة والصورة

ولد صالح الجعفراوي عام 1997 في مخيم النصيرات، وعُرف منذ صغره بميوله الرياضية والإعلامية. كان لاعب تنس طاولة في بداياته، لكنه اختار الميدان الإعلامي بعد دراسته الصحافة في جامعة الأزهر بغزة.

برز اسمه خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2023، حين ظهر على منصاته الرقمية يوثق القصف لحظة بلحظة، متحديًا الحصار وانقطاع الكهرباء. ومع تزايد القصف على الصحفيين، صار حسابه على “فيسبوك” و“X” مصدرًا رئيسيًا للمعلومات، يتابعه أكثر من 300 ألف شخص حول العالم.

ولم تكن جرأته مهنية فحسب، بل إنسانية أيضًا. فقد اشتهر بعبارته المتكررة في بثوثه: “نحن نعيش لننقل الحقيقة، لا لنهرب منها.”

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية
استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

آخر ظهور.. بين الحياة والشهادة

قبل استشهاده بأيام قليلة، نشر الجعفراوي فيديو مؤثرًا بعنوان “احتفال الموت”، ظهر فيه بين الأطفال وسط أنقاض حيّ الرمال، يحمل علم فلسطين ويبتسم قائلاً: “حتى لو انتهت الحرب، لن تنتهي الذاكرة.”
كانت تلك اللقطة الأخيرة له، قبل أن يصمت صوته للأبد، لكنها تحولت إلى نشيد عزاء بين متابعيه الذين تداولوا الفيديو مع عبارة واحدة: “ابتسم قبل الرحيل”.

استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية
استشهاد الصحفي الفلسطيني صالح الجعفراوي.. عين غزة التي لم تُغمض حتى النهاية

ردود فعل غاضبة وحزينة

نعاه المئات من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية المحلية والدولية، معتبرين رحيله “خسارة للضمير الفلسطيني”.
وكتب الصحفي وائل الدحدوح على صفحته: “كان صالح من الذين يشبهون الكاميرا أكثر من الميكروفون.. يرصد ويصمت ويترك الصورة تتكلم عنه.”

وأصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بيانًا شديد اللهجة، طالبت فيه بالتحقيق في ظروف مقتله، مؤكدة أن حماية الصحفيين واجب وطني لا يحتمل التساهل.

كما أدان الاتحاد الدولي للصحفيين ما وصفه بـ“موجة الفوضى الداخلية التي تهدد حرية العمل الإعلامي في غزة”، داعيًا إلى ضبط النفس وتوفير بيئة آمنة للإعلاميين بعد عامين من النزيف المستمر.


شهيد ما بعد الحرب

يأتي مقتل الجعفراوي في لحظة دقيقة بعد إعلان اتفاق إنهاء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، إذ كان من أبرز الأصوات التي طالبت بتوثيق جرائم الحرب ومحاسبة المسؤولين عنها، وكتب في آخر منشور له: “انتهت الحرب؟ لا، الحرب تبدأ حين نصمت.”

هذا الوعي النقدي جعله عرضة للتهديد من أطراف مختلفة، لكنه ظلّ يردّ بابتسامة وعبارة ثابتة: “لا أحد أقوى من الكلمة.”
وهكذا، بدا رحيله امتدادًا لمسيرته، وكأن رصاص اليوم الأخير جاء ليكمّل رسالة الأمس لا لينهيها.


إرث إعلامي وإنساني

لم يكن الجعفراوي إعلاميًا فقط، بل كان ظاهرة اجتماعية وثقافية امتدت خارج حدود غزة. فقد أطلق خلال الحرب مبادرة “غزة تحكي”، التي وثّق من خلالها قصص الأطفال الناجين من القصف، وتم ترجمة بعض تقاريره إلى الإنجليزية والعبرية لتصل أصوات الغزيين إلى العالم.

كما شارك في إنتاج أفلام قصيرة حول معاناة الأسرى والنساء في القطاع، ونالت أعماله إشادة من منظمات حقوق الإنسان. وفي يونيو 2024، اختارته منظمة “مراسلون بلا حدود” ضمن قائمة أكثر 10 صحفيين تأثيرًا في مناطق النزاع.


من الكاميرا إلى الذاكرة

رحيل الجعفراوي أعاد إلى الأذهان مشهد استشهاد عشرات الصحفيين الفلسطينيين خلال العامين الماضيين، ليصبح هو الرقم الأخير في سلسلة مؤلمة.
وفي جنازته التي انطلقت من مستشفى الشفاء بمدينة غزة، حمل رفاقه الكاميرات على أكتافهم بدلاً من البنادق، وهتفوا: “يا صالح، الكلمة سلاحنا”.

تقدّم المشيّعين قادة إعلاميون وشخصيات من مختلف الفصائل، في مشهد وحدَ الفلسطينيين على الحزن إن لم يوحّدهم على السياسة.


ذاكرة باقية

تحوّلت صفحات الجعفراوي على المنصات الاجتماعية إلى أرشيف مفتوح.
كتب أحد متابعيه: “كان يغسل وجعنا كل صباح بصوته، واليوم نغسل غيابه بالدموع.”
بينما دوّن آخر: “مات من نقل الحقيقة، فصارت الحقيقة أصدق منه.”

وفي منشور رسمي، قالت وزارة الإعلام الفلسطينية: “استشهاد صالح الجعفراوي يفتح جرحًا جديدًا في جسد الصحافة الفلسطينية، ويذكّر العالم بأن الصحفيين هنا لا يملكون سوى الكاميرا والكرامة.”


رسائل التضامن الدولية

أصدرت نقابة الصحفيين العرب بيان تعزية وصفته فيه بـ“رمز الجيل الرقمي الفلسطيني”، فيما عبّر المفوض العام للأونروا عن “عميق الأسف لفقدان صوت شاب مثّل نبض الميدان”.
كما بثّت قناة الجزيرة تقريرًا خاصًا بعنوان “صالح.. من نقل الحقيقة إلى أن صارها”، متضمّنًا لقطات من تقاريره الميدانية، بينما نكّست القنوات الفلسطينية شاراتها السوداء لمدة يوم كامل.


إرث يتجاوز الجغرافيا

إنّ ما يميز قصة الجعفراوي أنّها تتجاوز الحدث الفردي، لتعبّر عن مأساة جيلٍ كامل من الصحفيين الفلسطينيين الذين نشأوا بين الأنقاض، ولم يعرفوا من العالم سوى رائحة الغبار وصوت الطائرات.
هؤلاء الذين لا يملكون إلا الميكروفون والضمير، يواصلون السير على خطى صالح، في معركةٍ عنوانها البقاء الإنساني.


ختام

برحيل صالح الجعفراوي، فقدت غزة عينًا كانت ترى بالنيابة عن الملايين، وقلبًا ظلّ ينبض رغم كل ما حوله من موت.
لكن رسالته ستبقى حاضرة في كل صورة، وكل جملة كتبها بدموعه قبل حبره.
ربما غابت عدسته عن الضوء، لكن الحقيقة التي عاش لأجلها لم ولن تُطفأ.


من هو صالح الجعفراوي؟
هو صحفي فلسطيني من مواليد 1997، وُلد في النصيرات بقطاع غزة، وعُرف بتغطيته للحرب على غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ما سبب وفاته؟
استُشهد الجعفراوي صباح الأحد 12 أكتوبر 2025 خلال اشتباك مسلح في جنوب غزة، أصيب خلاله بطلق ناري أثناء محاولته التهدئة بين طرفين.

ما أبرز إنجازاته الإعلامية؟
وثّق الحرب على غزة منذ بدايتها عبر مبادرة “غزة تحكي”، وشارك في إنتاج تقارير وأفلام إنسانية نالت إشادة دولية.

كيف كانت ردود الفعل بعد وفاته؟
أجمع الإعلام المحلي والعالمي على نعيه، وأكدت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن استشهاده يمثل خسارة وطنية، فيما تحوّلت صفحاته إلى منصة تضامن عالمية.

اقرأ أيضًا: آلاف الفلسطينيين يعودون إلى منازلهم المدمّرة في غزة مع بدء الانسحاب الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى