
من “أوضة فوق السطح” إلى نجم عربي.. كيف كتب “عمرو دياب” رحلته بالكلمات؟
الترند العربي – متابعات
يترقّب جمهور “الهضبة” عمرو دياب طرح ألبومه الجديد خلال الساعات المقبلة، وسط حالة من الحماس والتفاعل الكبير على مواقع التواصل الاجتماعي، وعودة قوية لأغانيه إلى قوائم الأكثر تداولاً. لكنّ هذا الحضور اللافت ليس جديدًا، بل هو امتداد لمسيرة غنائية طويلة بدأت مطلع الثمانينيات، نجح خلالها عمرو دياب في ترسيخ مكانته كأحد أبرز الفنانين المؤثرين في الموسيقى العربية الحديثة.
في قراءة لأحد فصول كتاب “أيامنا: رؤية موسيقية واجتماعية لمسيرة عمرو دياب” للكاتب مصطفى حمدي، الصادر عن دار ريشة، تتوقف السطور عند واحدة من اللحظات المفصلية في تاريخ “الهضبة”، وهي حوار تلفزيوني شهير منتصف التسعينيات عبر فيه عن فلسفته الغنائية، وحرصه على الاختلاف والاستقلال في اختيار الكلمات والموضوعات.
الهضبة في مرآة الكلمة… رؤية فنية لا تقبل التكرار
في لقائه مع الإعلامي عماد أديب في برنامجه الشهير “على الهواء”، الذي كان يُبث عبر شاشة أوربت، قال عمرو دياب عبارة تلخص جوهر مشروعه الفني: “سألوني ليه ما بتغنيش زي اللي قبليك؟! قلت لهم أهلي ربوني واتعلمت واشتغلت وتعبت علشان أبقى شخصية مستقلة، وأعيش تجربتي أنا مش تجربة الآخرين، ادوني فرصة أعيش تجربتي”.
بهذه الكلمات، عبّر دياب عن رفضه الانسياق وراء النماذج التقليدية في الأغنية العاطفية، مؤكداً على أهمية أن يعيش الفنان تجربته الشخصية ويعبر عنها.
العبارة التي التقطها عماد أديب دفعته لسؤاله: “تتأنى في كلمات أغانيك؟”، ليجيبه عمرو قائلاً:”عشت تجارب كتير في حياتي، من بورسعيد للشرقية للقاهرة، جربت مشاعر كتير على المستوى الإنساني، سواء لما كانت حالتي المادية تحت الصفر، وبعد شوية بقت أحسن، لحد ما بقيت ميسور.
تجربة إنسانية في قلب الأغنية
عشت تجربتي من أوضة فوق سطح لحد ما بقى عندي شقة تمليك سنة 88، علشان كده أنا بشوف كلام الأغاني من منظور مشاعر الناس العادية جدًا، بشوف الحب من منظور أي واحد عادي حب واتحب والدنيا اتغيرت معاه، والمجتمع أثر فيه ومر بتجارب، لازم الكلام يكون بيعبر عن اللي بيسمعه”.
هذه الرؤية التي يتحدث عنها عمرو لم تكن وليدة اللحظة، بل سبقها في أواخر الثمانينيات بحث جاد لتطوير مشروعه الغنائي، فطلب من الشاعر مدحت العدل كتابة أغنية درامية مختلفة، مستلهمًا نموذج “جت من الغريب” التي قدمها محمد الحلو وحققت انتشارًا واسعًا.
يقول مدحت العدل: “كان عمرو معجبًا بالفكرة التي طرحتها الأغنية، وطلب مني أن أفكر في أغاني درامية تحمل أفكارًا جديدة، فقلت له مقطعًا أذكر مطلعه: “وإيه يعني تودعني ده إنت اللي ناسي” حتى نهاية الكوبليه.
تحمس جدًا وطلب مني أن أكتب بقية فقرات الأغنية، ولحنها فورًا وسجلها وصدرت في ألبوم “شوقنا”.
بداية الخط الدرامي المختلف
هذه الأغنية كانت حجر الأساس في تأسيس خط درامي غنائي داخل مشروع عمرو دياب، وهو الخط الذي مزج بين العمق الفني والبُعد الإنساني والاجتماعي، واستفاد في تطويره من تعاون مستمر مع اثنين من أبرز شعراء المرحلة: مجدي النجار، ضابط الشرطة السابق، ومدحت العدل، الطبيب الذي اقتحم مجال كتابة الأغنية من بوابة الإحساس والثقافة العامة.
اعتمد عمرو دياب في أغانيه الدرامية على رؤية مختلفة كليًا عن النمط السائد، خصوصًا الصورة التقليدية للحبيب المنكسر التي رسخها عبد الحليم حافظ. لم يسلك دياب هذا المسار، بل ابتكر صورة جديدة للحبيب القوي، القادر على تجاوز التجربة العاطفية دون أن يُسحق بها، حتى في العتاب كان صوته مختلفًا، بعيدًا عن الاستجداء والمظلومية.
تتجلى هذه الفلسفة بوضوح في أغنية “زي الزمان” التي كتبها مدحت العدل ولحنها عمرو دياب، وجاء فيها:
“زي الزمان مالكيش أمان
وفي ثانية بتبيعي اللي كان
لا هنشغل بواكي وأدوب
ولا أقول مقدر ولا مكتوب!”
بهذا المشهد الفني المتكامل، يظهر عمرو دياب كمشروع غنائي متجدد ومتفرد، لا ينتمي لأي نسق كلاسيكي، بل يسير وفق رؤية ذاتية واعية، تسعى دائمًا إلى التطوير وتوسيع حدود التعبير الموسيقي واللغوي، لتبقى تجربته واحدة من أكثر التجارب استمرارية وتأثيرًا في تاريخ الأغنية العربية.