كُتاب الترند العربي

عيشها بدالي

عيشها بدالي

هلا خباز

بتكون قاعد بأمان الله، وبيفاجئك حدا بسؤال: كم صار عمرك؟ ليش ما تزوجت؟ معقول ما بدك أولاد؟ أو بيجي فضولي تاني بيسألك: كم راتبك؟ وشو عندك؟ .. كمان مشّيناها، ليجيك متطفل بلباس ناصح ومن خارج دائرتك اللي ممكن تتجاوز عنهم، ليسألك عن علاقتك الشخصية بالله عز وجل!!

من أنتم؟ ومنذ متى أصبح اختراق خصوصية الآخرين سِمَة لا تستوجب الاستنكار!

التدخل في حياة الآخرين، سواء كان ذلك من خلال الأسئلة المزعجة، أو إصدار الأحكام على اختياراتهم الشخصية، أو تتبّع تفاصيل حياتهم، هو انتهاك مؤلم. فكأن من يتطفل يسرق لحظة هدوء، أو قرارًا خاصًا، أو حقًّا بسيطًا في أن يُترك الإنسان لنفسه دون وصاية أو تحليل.

يقول فيكتور هيجو: “من يراقب الناس ليفهمهم، حكيم؛ أما من يراقبهم ليحكم عليهم، فهو متطفل.” وما أكثر المتطفلين في عالمنا.

الخصوصية ليست خيارًا.. بل حق
الخصوصية حق إنساني غير قابل للنقاش ولا المزايدة، هو حق لا يقل أهمية عن حرية الرأي أو الكرامة. لكل إنسان دائرة من المساحة النفسية والاجتماعية، لا يحق لأحد اقتحامها دون إذن. اختيارات الفرد في حياته الشخصية، سواء في نمط عيشه، أو شكله، أو قراراته، لا تخضع لمزاج الجماعة أو رضاهم.

ويبقى السؤال الأهم: لماذا يتطفل الناس؟
في الغالب، ينبع التطفل من فراغ داخلي أو شعور بالنقص. حين يعجز الإنسان عن ملء حياته بما يكفيه، ينشغل بحياة الآخرين. وقد يكون الأمر بدافع السيطرة، أو التسلية، أو حتى الحسد المُقنّع. وللأسف، يجد بعض الناس في التدخل شعورًا زائفًا بالقوة أو الفوقية. حيث عبّرت فيرجينيا وولف عن تلك الحالة بقولها: “الخصوصية ليست عزلة، بل هي حالة من السلام… لا يمكن للتطفل أن يوجد حيث يوجد الاحترام.”

ونجي لمنطقة شائكة جداً تكثر في مجتمعاتنا العربية، تتعلق بالتدخل في الممارسات الدينية للفرد. موجعة هي جدًا لأنها ترتبط بالضمير والاعتقاد والهوية الروحية، وهي تعدٍّ على ما بين الإنسان وربّه، سواء بالتشكيك في صدق إيمانه، أو مراقبة طقوسه، أو إطلاق الأحكام بناءً على درجة التزامه أو طريقة أدائه للعبادات.

الدين.. علاقة شخصية
لا تقوم على الاستعراض، وعلى الصدق لا على المطابقة الحرفية لمعايير الآخرين. وحين يتحول التدين إلى معيار اجتماعي يخضع لمجهر المراقبة، يصبح الناس عبيدًا للصورة، لا لله.

ويقول المفكر مالك بن نبي: “حين يُصبح تدينك وسيلة لمحاكمة الآخرين، فقد فقدت روح الدين.”

الدين ليس سلطة جماعية، وحين يتحول المجتمع إلى رقيب على تدين الأفراد، يضيع جوهر الدين القائم على المحبة والرحمة، ويحل محله التديّن القائم على القهر والمظاهر. وهذا يخلق أجيالًا تخاف من الناس أكثر مما ترجو الله، وتعيش التديّن كقيد لا كحرية. فلا أحد مضطر لتبرير إيمانه، ولا لتقديم أوراق اعتماد دينية لأي أحد.

وللإمام علي كرّم الله وجهه مقولة رائعة في هذا السياق أيضًا: “اعرفوا الناس بأخلاقهم لا بأسمائهم، فكم من مجهول في الأرض معروف في السماء.”

الاختيارات الشخصية ليست محل نقاش
فهي لا تحتاج إلى تصفيق أو إذن مسبق. ما يخص مظهرهم، عملهم، ديانتهم، قناعاتهم، وحتى اختياراتهم العاطفية… لا يحق لأحد الخوض فيها أو التدخل أو إبداء النصيحة، ما لم يُطلب منه ذلك. فكلّ إنسان خُلق ليعيش تجربته، لا ليؤدي دورًا يُرضي الجمهور.

كما قالت مي زيادة: “كلّ روح لها حق في أن تكون نفسها، لا أن تُفرض عليها قوالب الآخرين.”

دعوا العلاقة بين الإنسان وربّه تسير في سلام. لا أحد يعلم النوايا، ولا يرى القلوب. وكما قال النبي محمد ﷺ: “إنك إن تتبع عورات الناس تُفسدهم أو تكاد.”

دعوا الناس وشأنهم، يقول جبران خليل جبران: “احترموا خصوصية الناس، فأنتم لا تعرفون ما يمرّون به ولا ما يخفيه صمتهم.”

احترامك لخصوصيات الناس ليس مجرد سلوك مهذّب، بل مبدأ إنساني عميق لا يبرّره الحرص، ولا الحب، ولا الاهتمام. فالحب لا يعني المراقبة، والاهتمام لا يبرّر الفضول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى