
أصدقاء يُنبتون الأمل في تربة الألم
أصدقاء يُنبتون الأمل في تربة الألم
محمود عبدالراضي
ما أثقل الحياة حين نعيشها بلا كتف، بلا رفيق حقيقي يُمسك بأطرافك حين تذوب، ويضع في قلبك دفء الشمس حين يعمّ الصقيع، ما أحوجنا إلى أولئك الأصدقاء الذين لا يكتفون بالحديث عن الصبر، بل يصيرون هم الصبر، لا يرددون عبارات العزاء، بل يعيدون ترتيب الحزن ليبدو أقل وحشة.
في زمن أصبح فيه الصديق كلمة مهزوزة، ومجرد اسم في قائمة الهاتف، نشتاق إلى هؤلاء القادرين على أن يحوّلوا أنيننا إلى لحن، ودمعتنا إلى نقطة انطلاق، وكسورنا إلى جسور نعبُر بها لا لنسى، بل لنتجاوز.
نحتاج من يرى وجعنا دون أن نتكلم، من يُدرك أن “أنا بخير” ليست سوى قناع هش يخفي وراءه عاصفة، نحتاج من يصمت معنا حين تفيض الكلمات، ومن يتكلم نيابة عنا حين تخوننا الحروف، هؤلاء لا يملأون الفراغ بالحضور فقط، بل يملأون القلوب بالطمأنينة، يربتون على أرواحنا بكلمة صادقة، بنظرة دافئة، بدعاء لا نسمعه لكنه يسبقنا إلى السماء.
ليس كل من ضحك معنا في المقاهي، أو التقط صورة في لحظة بهجة، يُعد صديقًا، الصداقة لا تُقاس بالضحك، بل بالبكاء الآمن، بالمواقف التي كشفت ظهرنا ووجدنا من يسنده. الصديق الذي يُحوّل الألم إلى أمل، لا يملك عصًا سحرية، بل يملك قلبًا يعرف كيف يحوّل الحزن إلى طاقة، والانكسار إلى بداية جديدة.
ما أجمل أولئك الذين حين ننهار، لا يطالبوننا بالتماسك، بل ينهارون معنا قليلًا، ثم ينهضون بنا، لا يُحاضرون فينا، بل يعيدون لملمة أرواحنا قطعة قطعة، دون ضجيج، دون مقابل، فقط لأنهم يحبوننا بصدق.
هم الذين حين تمرّ بنا المحنة، يذكّروننا بأنها منحة متنكرة، وأن في كل عتمة نافذة، وفي كل نهاية احتمالات جديدة، لا يُبالغون في الوعود، ولا يزرعون الأوهام، بل يمنحوننا ضوءًا صغيرًا يكفي لنرى طريقنا ولو خطوة.
نحن لا نحتاج الكثير من الناس حولنا، بل نحتاج القليل الذي يُجيد الكثير، القليل الذي لا يرحل في أول عاصفة، ولا يُصاب بالملل من تكرار أحزاننا، بل يربت على التعب كأنه يعاتبه، ويهمس في أذن الحياة قائلًا: “رويدك، لصديقي قلب لا يحتمل المزيد”.
فيا ليتنا نُحسن الاختيار، ويا ليتنا نكون مثلهم لمن حولنا، فكما نحتاجهم، يحتاجنا غيرنا، وكما نبحث عن صديق يُحوّل الألم إلى أمل، فلنكن نحن ذلك الصديق، تلك الطمأنينة، وتلك اليد التي لا تُسأل: “هل ستبقى؟” لأنها باقية دون سؤال. صورة تناسب المقال 1200 * 630 بيكسل بدون كلام ع الصورة