صدمة النجاح
عمر غازي
نعم، ما قرأته في العنوان صحيح. قد يبدو من الغريب أن يعاني الناس من صدمة جراء نجاحهم، ولكن هذه الظاهرة حقيقية ومؤثرة على حياة العديد من الأفراد. النجاح، على الرغم من كونه هدفًا يسعى إليه الجميع، يمكن أن يأتي بتحديات نفسية واجتماعية غير متوقعة.
تشير دراسة نشرتها مجلة “علم النفس الاجتماعي” في عام 2014 إلى أن النجاح المفاجئ يمكن أن يؤدي إلى ضغوط نفسية كبيرة، حيث أوضحت الدراسة أن الأفراد الذين يحققون نجاحًا سريعًا ومفاجئًا يعانون من ارتفاع مستويات القلق والتوتر بسبب توقعات المجتمع المتزايدة والمسؤوليات الجديدة. يمكن أن يشعروا بالضغط للحفاظ على مستوى النجاح وتحقيق المزيد، مما يؤدي إلى الإرهاق النفسي.
أحد الأمثلة البارزة هو حالة الكاتب الأمريكي جيه دي سالينجر، الذي حقق شهرة واسعة بعد نشر روايته “الحارس في حقل الشوفان” عام 1951، فرغم نجاحه الهائل، عانى سالينجر من ضغوط نفسية كبيرة وقرر الانعزال عن الحياة العامة ليحمي نفسه من التوقعات المتزايدة والاهتمام الإعلامي المستمر.
وفي عام 2016 أجرى باحثون في جامعة هارفارد دراسة أظهرت نتائجها أن النجاح يمكن أن يؤدي إلى “متلازمة المحتال”، وهي حالة يشعر فيها الأفراد بأنهم لا يستحقون نجاحهم ويخشون من كشف أنهم ليسوا كفؤين كما يبدو، وهذا الشعور يمكن أن يكون مدمرًا للثقة بالنفس ويسبب قلقًا مستمرًا.
وفي هذا السياق أيضًا، ذكر العديد من الشخصيات البارزة في مجالات الأعمال والفن أنهم يعانون من هذه المتلازمة، مثل الممثلة الشهيرة إيما واتسون، التي اعترفت بأنها شعرت بعدم الاستحقاق رغم نجاحها الباهر.
في دراسة أخرى نشرتها مجلة “علم النفس الإيجابي” في عام 2018، تبين أن النجاح يمكن أن يؤدي إلى انعزال اجتماعي. الأفراد الناجحون قد يشعرون بأنهم مفصولون عن أقرانهم بسبب التغيرات في نمط حياتهم ومستوى معيشتهم، وهذا الشعور بالعزلة يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والقلق.
ولعل أبرز مثال على هذه الحالة المغني الشهير مايكل جاكسون، الذي رغم نجاحه الأسطوري، عانى من الوحدة والعزلة التي أثرت بشكل كبير على صحته النفسية.
من الأهمية بمكان أن ندرك أن النجاح ليس مجرد هدف يتم تحقيقه، بل هو رحلة مستمرة تتطلب الدعم والتكيف مع التحديات الجديدة، ولذا، فالأشخاص الذين يفهمون هذه الحقيقة يمكنهم التعامل مع ضغوط النجاح بشكل أكثر فعالية والحفاظ على توازنهم النفسي، وهو ما يتم مراعاته غالبًا مع الرياضيين المحترفين حيث يتلقون تدريبًا نفسيًا للتعامل مع ضغوط الأداء العالي، مما يساعدهم على الاستمرار في تحقيق النجاح دون التعرض للصدمة النفسية.