“ما جدوى الهجرة؟”.. سؤال أرهق السينما
إيمان الخطاف
مطلع هذا الشهر اختتمت هيئة الأفلام جولتها الخامسة لملتقى النقد السينمائي بموضوع شائق عنوانه “الهجرة والسفر والانتقال في السينما”.. هذه الكلمات الثلاث لطالما أثارت العديد من الأسئلة في الفن السابع، ووجهت السينمائيين نحو محاولة فهم دوافع المهاجرين والفارين واللاجئين، مما يجدد التساؤلات عن جدوى الهجرة والارتحال، ولكن برؤية سينمائية.
تأتي الهجرة هنا – على اختلاف مظاهرها وتنوّع أشكالها – باعتبارها ظاهرة إنسانية تترك أثرًا عميقًا على المجتمعات التي ينتقل منها المهاجرون وإليها، حيث اهتم الملتقى بملاحظة شيوع مفهوم الهجرة في الأفلام، من منطلق ازدياد عدد الأفلام التي تدور حول حياة المهاجرين، وتحديدًا أولئك الذين تركوا أراضيهم آملين في الحصول على حياة أفضل.
ولأن الملتقى أعاد عرض فيلم المخرج المدهش رضوان الكاشف «عرق البلح»، الذي صدر عام 1998، فإنه أمر يدفع لإعادة مشاهدة هذا العمل الممتلئ بالصراعات الإنسانية والتعابير الفنية العميقة، للقرية الصغيرة التي يقطنها مجموعة من أبناء الصعيد المُعدمين، حيث يخنقهم الفقر المدقع، إلى أن يصل رجل غريب إلى القرية، بهيئة شيطانية مطموسة الملامح، يوسوس للناس أن يرحلوا عن قريتهم ليجنوا المال الوفير من بلدان بعيدة.
يرحل كل رجال القرية، وتبقى النساء فقط، فيما عدا الجد العاجز وحفيده الشاب المتمرد أحمد، لتبدو الأمور في بادئ الأمر مستقرة، إلى أن تتوالى الكوارث على القريّة، حيث تضمحل الأخلاق والقيم الإنسانية تدريجيًا، ويحاول الجميع إشباع رغباته الغريزية بطرق بهيمية، مع تبرير الخطيئة في كل مرة، مما يُحيل المكان إلى بؤرة للفساد والشر المستطير.
وعلى الرغم من قتامة الصورة التي قدمها “عرق البلح”، فإن الرؤية السينمائية لرضوان الكاشف اختزلت الكثير عبر هذه القرية التي ينفرد بها شاب واحد، ويصارع ذاته في كل مرة أمام المغريات الشديدة من حوله، وكذلك النسوة اللاتي تنقطع بهن السبل فيجدن في هذا الشاب كل الحلول الممكنة؛ مما يعني أن الارتحال ليس أمرًا متعلقًا بالمهاجرين وحدهم، بل هو حالة قاسية تعصف بالراحلين والباقين على حد السواء.
ولا يبدو غريبًا أن “عرق البلح” لم يحقق نجاحًا جماهيريًا ولم يستسغه الجمهور فور عرضه، على الرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها في مهرجانات عالمية؛ لأن فكرة الفيلم عسرة الهضم إلى حد كبير، فهي عميقة وتتطلب مقدرة عالية على التقاط دسامة المضامين السينمائية التي يقدمها، وأكثرها عمقًا هي رمزية النخلة العالية التي كانت بمثابة الوطن والملاذ لسكان القرية، حيث يرى المشاهد كيف تغيرّت نظرتهم لها في نهاية القصة، خلافًا للبداية.
ومن هنا يأتي اختيار هذا الفيلم، وموضوع الهجرة في حد ذاته، باعتباره أمرًا جديرًا بالتمعّن والوقوف مرات عدة، فهي قضية مؤلمة ومتجددة، وفي كل الأزمنة هناك من يهاجر بدافع الفقر أو هربًا من الاحتلال، وربما فرار من جريمة أو مصير قاسٍ ينتظر الفرد في وطنه؛ وكل هذه القصص مليئة بمرارة الاغتراب ووحشة الوحدة، مما يجعل سردها في الأفلام حالة مختلفة.
المصدر: سوليوود