ألم.. وأمل
عمر غازي
بينما كان يمشي بخطواته المتثاقلة على طول ممر الزمن، رأى نفسه واقفًا على مفترق طرق، لا يعرف ماذا يختار وقد فُتحت أمام عينيه نوافذ الأمل، وهبت الرياح بأغصان الحياة المتعبة لتوقظها من سباتها الطويل..
امتدت يده الهزيلة لتلمس الأشياء المبهمة، التي تحيط به كغموض القدر. تردد بين الطريق المعروف والمجهول، بين الحب والكراهية، بين النور والظلام. وفجأة ظهرت له شخصية غامضة، تحمل في يديها كتابًا قديمًا. فتح الكتاب بتأن، وقلب صفحاته..
وبينما كان يتأمل في كلمات الكتاب، انتابته رغبة عمياء في تغيير مصيره المظلم. أغلق الكتاب بقوة وقرر أن يسلك الطريق المجهول، مستعدًا لمواجهة العالم بكل شجاعة وإيمان. لم يعد يهاب الظلام أو يتوقف عند العقبات، بل انطلق بقوة نحو المجهول، مدفوعًا بروح الأمل والحب.
في لوحة فنية تعكس مشاعره المكبوتة. تعددت المواقف والأشخاص الذين التقى بهم، فكل منهم كان له بصمة خاصة على روحه العطشى للمعرفة والحياة.
في إحدى تلك المواجهات، قابل امرأة جميلة وفي عيونها مزيج من الحزن والأمل. تعالت أصوات ضحكاته المتعبة لتختلط بنبضات الحياة، وضجيج المدينة المزدحمة، حيث أنشدت الأفراح والأحزان معًا في تناغم موسيقي يلامس الروح.
توقف الزمن للحظات، بينما كانت أنامله تنسج قصصًا جديدة لم يروها من قبل. سرعان ما أدرك أن الحياة ليست سوى مسرحية، يجسد فيها البشر أدوارهم بين الضياع والسعي للبقاء.
وبمرور الأيام والليالي، اندمج في الحياة الجديدة وتقبل تحدياتها بشجاعة وثقة. تعلم أن المجهول ليس دائمًا مخيفًا، بل قد يكون مصدر إلهام وتغيير. وبين ضيقات الزمن ومتاهات القدر، وجد نفسه ينمو ويزدهر، مكتشفًا جوانب جديدة من شخصيته.
ولكن عندما اقترب من تحقيق أحلامه وتحقيق النجاح الذي طالما سعى إليه، بدأت الأحداث تتلاشى ببطء، وكأنها لم تكن.. فجأة استعاد وعيه واستيقظ على واقعه البائس. لقد كانت مغامراته وتجاربه المذهلة مجرد حلم عابر.
نظر حوله وعيونه الخائفة تلقي بظلالها على الأرض المتشققة، ليستوعب أنه لا يزال حيًا في كابوس واقعه المرير محاصراً بين جدران الفقر واليأس، همسات الضياع والحزن تحيط به من كل جانب.
حاول أن يستعيد الأمل الذي عاشه في حلمه، لكن الواقع القاسي غلب على تلك المشاعر المتأججة.. وبدلاً من الاستسلام لليأس، قرر هذه المرة أن يحتفظ بشرارة الأمل الذي اكتشفه في حلمه ويحاول إشعال نار الشجاعة في قلبه.
جلس على كرسي مهترئ وأمسك بكوب بارد من الشاي، تذوق بقايا المذاق المرير على شفتيه وتأمل في الهمسات الخفية في قاع الكوب. بينما كان يفكر في ما تبقى من آماله وأحلامه، أخذ عقب سيجارة وأشعل النار فيها.
نظر إلى اللهب الصغير الذي يرقص على عقب السيجارة وأدرك أنه رغم صغر حجم اللهب، لا يزال يحمل في طياته القوة لإشعال النار في الظلام. رفع رأسه ونظر إلى السماء المظلمة محاولا أخذ نفس من بقايا سيجارته لكن النار كانت أقرب لها من أنفاسه!