آراء

“لعبة إندر” التي تفوز بها البشرية فتخسر إنسانيتها!

د. أشرف راجح

“لعبة إندر Ender’s Game‏” هو فيلم خيال علمي وحركة أميركي صدر في 2013، مبني على رواية تحمل نفس الاسم للكاتب أورسن سكوت كارد، والفيلم من إخراج وكتابة جافن هود، ومن بطولة “أزا بترفيلد” الذي يقوم بدور «إندر» وهو صبي ذو موهبة استثنائية يرسل إلى مدرسة عسكرية متقدمة في الفضاء للاستعداد للغزو المستقبلي للكائنات الفضائية. طاقم التمثيل يشمل أيضاً النجوم “هاريسون فورد” و”بن كينجسلي”. الفيلم تدور أحداثه في المستقبل القريب، حيث يهدد جنس «الفورميكس» من الفضائيين كوكب الأرض، ويسعون لمحو الجنس البشري. تبدأ الحكومة الدولية في البحث عن قائد جديد من أجل إنقاذ البشرية فيقع الاختيار على هذا الفتى الصغير من أجل إنقاذ كوكب الأرض. ونتيجة لهذا ينفصل إندر عن شقيقته التي يحبها وينقل من أجل تلقي تدريب قاسٍ للغاية يُمكَنه من تحقيق المطلوب وهزيمة الأعداء. «إندر ويجين» يمتلك عقلًا جبارًا يمتاز بالعبقرية والخيال الذي لا يمتلكه الكبار، ولذلك يتم تجنيده من أجل قيادة مجموعة من الجنود الصبية أثناء المعركة التي ستحدد مصير كوكب الأرض.

تقول “سوزان ميلر” في كتابها: “سيكولوجيا اللعب” إن اللعب عادة ما يطلق على السلوك الذي يبدو للمراقب، لا هو نتيجة منطقية لفكرة ما، ولا هو بعيد عن سيطرة الشخص. وإضافة إلى ما سبق أن ذكرته في البدايات لربما يكون خير استعمال لكلمة “لعب” أن تكون ظرفًا، وليست اسمًا لطائفة من الأنشطة، ولا تميز الحالة المصاحبة له، ولكنها تصف كيفية حدوث الفعل والظروف التي تم فيها، وهي تؤكد أن الكبار يلعبون مجرد لعب، ولكن الأطفال يلعبون لشيء أكثر من اللعب بكثير. كما يذهب “جان بياجيه” عالم النفس في كتابه: “علم نفس الولد” إلى أن الطفل في ذاته يفسر الإنسان أكثر مما يفسر الإنسان الطفل، وذلك لأن الإنسان، وإن كان يُعلم الطفل عن طريق التقليد الاجتماعي، فإن كل إنسان بالغ كان في البدء طفلًا في أزمنة ما، وإن كان الطفل يفسر الإنسان البالغ جزئيًا، فيمكننا القول أيضًا إن كل مرحلة من مراحل النمو تفسر إلى حد ما المراحل التي تليها. وهناك العديد من النظريات التي يُعنى كل منها باللعب من زاوية معينة تختلف كل منها عن الأخرى. فنظرية فرويد، مثلًا، تهتم بالعلاقة بين وظيفة الإيهام والنمو الانفعالي، بينما يعالج بياجيه اللعب كمظهر للنمو العقلي، ويهتم علماء السلوك بتطور السلوك ودلالاته الحيوية، ومشكلاته العلية أو السببية. أما أصحاب نظرية التعلم، فلم يهتموا باللعب في حد ذاته، ولكن باعتبار اللعب يتضمن التعلم والاستجابة المنتقاة المناسبة لمؤثر معين.

ورغم التفرقة بين لعب الأطفال والكبار، فإنه في محاولة بناء مفهوم اللعب يمكن الاستفادة من التفكير النظري نفسه عند بياجيه، فهو وإن يطرحه تطبيقًا على الطفل، إلا أن ما يمكن الأخذ به هو التفكير النظري في تفسير وظيفة اللعب، خاصة ما يعتبره اللعب الرمزي الذي يبلغ قمة اللعب عند الطفل، حيث اللعب هو مجال التداخل والاشتباك بين المصالح المعرفية والمصالح العاطفية، ويبدأ خلال المرحلة الممتدة ما بين سن الثانية حتى السابعة أو الثامنة، وفيه يبلغ اللعب “الرمزي” ذروته حيث هذا الطفل يرى نفسه مرغمًا على التكيف الدائم مع عالم اجتماعي، فلا بد له إذًا لتأمين توازنه العاطفي والفكري من أن يستطيع التصرف من خلال ممارسة نشاط لا يقصد منه التكيف مع الواقع، بل العكس: تمثل هذا الواقع دون ضغوط أو عقاب، وهذا هو نوع اللعب الذي يغير له الواقع، ويلبي له حاجات الأنا. أما فيما بعد، فإن الطفل يتطور في اتجاه الألعاب المنظمة وألعاب البناء التي تعتبر موضوعًا للترميز، أو تكيفًا اجتماعيًا للأمام، وهكذا نجد اللعب عند الأطفال يؤدي وظيفة أساسية. إنه ليس مجرد تسلية، لكنه تمرين مسبق لنشاطات الفرد المستقبلية، وهي النظرية التي يذهب فيها بياجيه إلى تشبيه اللعب بالعملية البيولوجية التي يتقدم بها كل عضو من خلال الاستعمال.

ولكن في لعبتنا هنا، ما الذي قادهم إلى تبني الأطفال أو الصبية كقادة في لعبة الحرب؟! لقد ظهر في السنوات الأخيرة في الغرب تصور جديد غير مألوف إلى حد ما عن العبقرية والابتكارية، ويناقشه العالم الأميركي “سي دبليو موريس” في كتابه: “أسس نظرية العلامات”، وترى وجهة النظر هذه أن الابتكارية ليست أكثر من استمرار لفعالية صفات الطفولة في حياة الراشدين والكبار، وهو تصور قد يؤدي بالضرورة إلى افتراض أن الأصالة والتفكير غير تقليدي، والميول الحرة متعددة الجوانب هي صفات كثيرًا ما تضيع مع الوصول إلى النضج. وبالطبع يأتي هذا على عكس ما يشير إليه واقع المبدعين والمبتكرين على مر التاريخ. حيث إن أشهر الأدباء والمفكرين احتفظوا بالقدرة الإنتاجية العالية، ليس فقط إلى متوسط العمر، ولكن حتى العمر المتأخر. فكتب جوتة الجزء الثاني من “فاوست” بين الـ70 والـ80 من عمره، وقدَّم فردي أوبرا “عطيل” وعمره 73 عامًا، والأوبرا التالية “فالستاف” وعمره 79 عامًا، وعمل مايكل أنجلو حتى سن 79 عامًا، وكانت حتى 80 عامًا، وفولتير حتى 84 عامًا، وبرنارد شو حتى سن 94 عامًا. فإن كان بالمقابل، ثمة بعض الظواهر التي تؤكد عكس ذلك، فهي ليست بالقاعدة التي تنفي هذه الحقيقة. فما الذي قادهم لانتهاك الطفولة بهذه القسوة؟!

“لعبة إندر” من أفلام الخيال العلمي الفلسفي، تلك الأفلام التي تتناول الخيال العلمي بطبيعته التشويقية، وتحيله إلى طرح لسؤال فلسفي جدلي عميق مثل: “هل نضحي بإنسانيتنا لكي ننقذ الإنسانية؟!” ويتفرع منه أسئلة أخلاقية أخرى حول “استخدام الأطفال في الحروب”، وسؤال أخلاقي حول “حرب الإبادة الوقائية!”. وهو من الناحية البنائية يمثل “رحلة البطل” النموذجية بتقلباتها كما ذكرها الناقد “جوزيف كامبل”، وطبيعة الإضاءة الكابية في المشاهد القليلة التي تدور على كوكب الأرض رغم جماله، تؤكد لنا أنه كوكب قد تعرض لكارثة أصابت النفوس قبل البنيان. لقد لعب إندر لعبته ببراعة فاقت تصور من كانوا يديرون اللعبة، فأباد كوكب “الفورميكس” تمامًا. ولكن عندما أدرك أنهم قد خدعوه، وأن “لعبته” كانت حقيقية وليست محاكاة “نضج”. وتفجرت الأفكار المؤلمة: “عندما تفهم العدو تحبه ولكنك تدمره”، “هل الحرب الوقائية محتومة، أم أنها عدوان وإبادة لجنس بأكمله؟”، “لقد فزنا وهذا هو المهم… كلا طريقة الفوز هي الأهم”. وفي النهاية يحمل البطل “ملكة الفورميكس” الوحيدة المتبقية بعد المعركة معه إلى الفضاء المفتوح في محاولة لتجديد حياة هذا الجنس الذي أفناه في لعبته غير الإنسانية.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى