آراء

هل أكل الذئب جدة ليلى؟

دور المتلقي في صناعة العمل الفني

تركي صالح
القصة الشهيرة “ليلى والذئب” أو “ذات القبعة الحمراء” للكاتب الفرنسي شارل بيرو، من القصص ذائعة الصيت في الأدب العالمي. وهي قصة للأطفال تحكي عن فتاة بريئة اسمها ليلى تتعرض لمكر الذئب، لكن نهاية القصة تعرضت للكثير من التعديلات حسب رغبات الجمهور، وهم بالطبع الأطفال الذين يرفضون فقدان جدة ليلى التي تتعرض لنهاية مأساوية على يد الذئب في النسخة الأصل، وهو أمر يعتصر قلوب الأطفال ويضفي مشاعر الأسى، خاصة لمن يروي لهم القصة عند المنام.

وهذا مدخل للسؤال النقدي: هل للمتلقي دور كبير في صناعة المنتج الفني أو صياغته – إن كانت العبارة أدق؟ وهل هذا الدور مباشر؟ إن المتابع للأعمال الفنية العربية بشكل عام، والسعودية خصوصًا، يجد تباينًا في المواضيع والطروحات، لكنه يلحظ كذلك تشابهًا في توجهاتها، إذ يتمحور العمل في تقديم الشخصيات المصنوعة التي تتخلق لحياكة قصة بدائية تنتصر فيها الجدة على الذئب، دون مراعاة لمنطقية الأشياء، ولا لمستوى إدراك «المتلقي» الحقيقي لا المتوهم.

والمتلقي المتوهم هنا هو ما يتوهمه صنَّاع المنتج في أذهانهم، فيقدمون له العمل الهابط ويرضونه بنهايات ساذجة لا منطقية. لكن، هل هذا الأمر ناتج عن فهم قاصر، أم حيلة لاستسهال الإنتاج و«سلق» أعمال فنية ذات ربح دون جهد وتكلفة. لقد مرت السينما المصرية «وهي مثال عربي» بفترة زمنية أنتجت فيها أفلامًا هابطة – بنظر النقاد – سمِّيت «أفلام المقاولات»، وهي أفلام رديئة في المضمون والطرح، كان يدافع عنها صنَّاعها بأنها تلبي رغبات الجمهور العربي، وهي آراء تفتقر في أصلها إلى ما يدعمها من استطلاع أو استفتاء؛ إذ امتلأ الفضاء الفني في تلك الفترة «نهاية السبعينيات والثمانينيات الميلادية» بالغث من المنتج الذي غطى على أعمال جادة أنتجت في تلك الفترة. لكن ذلك يدعونا لسؤال لاحق: هل حققت أعمال مثل: «الكيت كات» أو «خرج ولم يعد» مثلاً، نجاحات في شباك التذاكر توازي ما حققته من إطراء لدى النقاد؛ المتلقين «الحقيقيين» كما يدعي أهل الصنعة؟

لم يحصل ذلك للأسف، لكن هذه الأعمال أصبحت خالدة وبقيت أدوار ممثليها تدرس في قاعات الجامعات، وبقيت قصصها وصنعت للسينما المصرية موقعًا مع مثيلاتها من الأعمال التي صنعت قيمة للسينما وتركت علامة وأثرًا في المجتمع، وغيرت قوانين كفيلم «أريد حلاً» الذي تسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية في مصر.

إن قضية ما يطلبه المشاهدون من القضايا التي رفعت كقميص عثمان في وجه المطالبين بأعمال فنية جادة تحترم المهنة والمشاهد والتاريخ. إن المشاهد العربي يستحق أن يشاهد أعمالاً ترتفع لمستوى الذائقة الجمعية التي أصبحت صعبة بعد سهولة الوصول لأعمال عالمية تم الاعتناء بها جيدًا.

في النهاية، ليس مهمًا هل أكل الذئب جدة ليلى، أم ربطها؛ إن كان الوصول لهذه النهاية منطقيًا.

المصدر: سوليوود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى