آراء

فهم الدور الاستراتيجي السعودي بثمانية أعوام من القمم الحاسمة سياسيًا

د. علي الخشيبان
السعودية خلال المرحلة الماضية -وتحديداً منذ العام 2015م- تمكنت من المرور بثبات فوق الكثير من الأحداث المضطربة الخاصة بالمنطقة الخليجية والعربية، وسمحت القمم السعودية في تقديم تصورات مختلفة وجديدة للواقع الإقليمي والدولي السياسي والاقتصادي..

خلال الثمانية أعوام الماضية السعودية مختلفة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فالإطار السياسي الذي قدمت به السعودية نفسها للعالم إطار جديد وذو أهداف استراتيجية كبرى تصب في المصالح السعودية، من خلال دمج الرؤية السعودية الحديثة في منظومة تنموية تنعكس آثارها على محاور جغرافية متعددة دولية وإقليمية ومحلية، وشكل هذا الحراك السياسي المتوافق مع الحراك التطويري في الداخل السعودي أسئلة مهمة حول صناعة التغيير التي عملت القيادة السعودية على تحقيقها.

السعودية منذ العام 2015م تبنت مسارا منفردا في تحقيق تطلعات قيادتها وشعبها، ولم تشهد المنطقة العربية -من وجهة نظري- استجابة حكومية شعبية متوافقة كتلك الاستجابة لتطلعات الرؤية السعودية الساعية إلى صناعة تاريخ جديد للمنطقة، كم هي الدول حولنا وفي العالم التي لديها رؤى مستقبلية تمتد بعضها إلى منتصف القرن الحادي والعشرين، ولكن ليس من بين هذه الدول من استطاعت رؤيتها المستقبلية أن تكون جزءا أساساً في النقاش السياسي والاقتصادي والاجتماعي الدولي، عندما تجري بحثا صغيرا عن الرؤية السعودية 2030، برموزها وتطلعاتها، سوف تجد آلاف المقالات من كل أنحاء العالم وخاصة العالم الغربي، كلها تحاول أن تفهم هذا التحول الذي يجري في السعودية التي أصبحت اليوم تمتلك المفاتيح المهمة في السياسية الدولية.

خلال الثمانية أعوام الماضية عقدت الكثير من القمم في الرياض وكل هذه القمم كانت حاسمة ومهمة، فعلى مستوى مجلس التعاون الخليجي فإن لسعودية هي أول دولة خليجية تستضيف خمس قمم خليجية منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي في العام 1981م، هذه القمم الخمس ترأس فيها الملك سلمان -حفظه الله – ثلاث قمم بينما ترأس سمو الأمير محمد بن سلمان قمتين نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، واستضافت السعودية خمس عشرة قمة خليجية ما بين طارئة واعتيادية منذ العام 2015م.

أولويات السعودية كثيرة في هذه القمم فهي أول دولة تستضيف قمة خليجية صينية وقمة صينية عربية، وأول دولة شرق أوسطية تستضيف الرئيس الأميركي في أول زيارة له للمنطقة، حيث عقدت القمة السعودية الأميركية بجدة 2022م، ومن ثم القمة السعودية الخليجية بمشاركة ثلاث دول عربية، وقد عكست القمم التي أقيمت على أرض سعودية زوايا رئيسة في حجم التأثير الذي تمارسه السعودية اليوم دولياً وإقليمياً، فالزاوية الخليجية تثبت أن الدور السعودي الخليجي رئيسي فيما يخص قيادة الخليج وهذا مستحق فالإمكانات السياسية والتاريخية والاقتصادية والسكانية للسعودية تجعلها الدولة الوحيدة القادرة على تولى دفة القيادة في الزاوية الخليجية.

في زاوية شرق الكرة الأرضية فإن السعودية هي من استضافت أول قمة عربية صينية وهذا يشكل محورية السعودية للمنطقة العربية، فالصين القادمة بقوة في منافسات النفوذ والقوة الدولية تدرك أن السعودية أصبحت أحد مفاتيح الاستراتيجية الدولية نحو بناء نظامي عالمي مفتوح ومتعدد الأطراف، أما الزاوية الغربية فإن جميع الرؤساء الأميركيين الذين تولوا الرئاسة الأميركية منذ العام 1974 كلهم قاموا بزيارة أو أكثر وعقدوا قمما مع ملوك السعودية وقمما عربية على الأرض السعودية، أما الرؤساء الأوربيون وخاصة الدول الأوروبية الكبرى فجميعهم أتى إلى السعودية، أما الزاوية العربية فقد استضافت السعودية لوحدها أربع قمم عربية آخرها قمة جدة التي عكست المعنى الفعلي للدور الاستراتيجي السعودي نحو بناء عالم عربي مختلف.

السعودية خلال المرحلة الماضية وتحديدا منذ العام 2015م تمكنت من المرور بثبات فوق الكثير من الأحداث المضطربة الخاصة بالمنطقة الخليجية والعربية، وسمحت القمم السعودية في تقديم تصورات مختلفة وجديدة للواقع الإقليمي والدولي السياسي والاقتصادي، فالسعودية تمتلك في منظومة تاريخها الحديث الكثير من التجارب، والثمانية أعوام الماضية أثبتت القدرة السعودية على المرونة والانخراط في مشروعات تنموية محلية وإقليمية مهما كانت العواصف السياسية التي تواجهها.

خلال الثمانية أعوام الماضية أثبتت السعودية أنه يمكن أن تتغير الكثير من الأشياء وبسرعة إذا ما كانت الأهداف واضحة ودقيقة، فأول مرة في تاريخ القمم العربية تشعرنا قمة جدة التزام القادة العرب بمفهوم جديد لطبيعة الكلمات التي يلقونها وحجمها الزمني، اليوم لا أحد يمكنه قطع الطريق فالتوجه السعودي ذاهب نحو المستقبل ويحمل في طياته استراتيجية تنموية تخص المنطقة العربية بأكملها، وهذا يدل على أن الدور الاستراتيجي السعودي يجب أن يفهم من خلال منطلق يؤكد أن السعودية بما تطرحه عبر مشروعاتها السياسية والاقتصادية تعي وتدرك المكانة التي يجب أن تكون عليها منطقة الشرق الأوسط ومستقبلها باستثمار أمثل لكل الموارد المتاحة السياسية والاقتصادية والثقافية والسكانية.

المصدر
الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى