ثقافة العمل الحر وتنمية الاقتصاد
عمر غازي
مع بزوغ نظرية السوق الحر، أصبحت ثقافة العمل الحر موضع اهتمام الكثير من المحللين الاقتصاديين والمهتمين باستشراف المستقبل من علماء الاجتماع والأكاديميين. بات العمل الحر أحد أهم أعمدة الاقتصاد والتنمية في أي دولة تبتغى النهوض والتقدم؛ لما له من انعكاسات إيجابية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، والتي تأتى في مقدمتها زيادة دخل الفرد ومحاربة البطالة والسلوكيات المنحرفة وتطوير الاعتماد على الذات.
ورغم انتشار العمل الحر على نطاق واسع في الدول الغربية تحديدًا إلا أننا لم نقف على إحصاءات دقيقة في شأنه على مستوى العالم، إذ تتعلق أغلب التقارير والإحصاءات الموجودة بانتشاره داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، فقد كشفت إحدى تلك الدراسات مثلًا أن 40% من القوى العاملة الأمريكية تعمل بنظام العمل الحر كمستقلين أو موظفين بشكل مؤقت في 2020، في حين أن حجم مساهمة العمل الحر في الاقتصاد الأمريكي بلغ 1 تريليون دولار في عام 2019.
وعلى الرغم من المكاسب الهائلة الناتجة عن العمل الحر، إلا أن غالبية الدول العربية لم تلجأ إليه إلا بفعل الأزمات -مثل تفشي وباء كورونا- رغم عدم قدرة العمل التقليدي والوظائف على تلبية رغبات الأجيال الصاعدة، خاصة أجيال ما بعد الألفية، والشح في الوظائف، وصعوبة الحصول عليها.
وفي حين أن من الصعب تحليل الوضع الاقتصادي في عالم لا يزال يعاني من تفشي الجائحة، لكن، مما لا شك فيه أن وقع الجائحة سيمتد طوال عام 2021، وما بعده. ورغم توقع معدلات نمو إيجابية، فالبطالة في المنطقة العربية مرجّحة للارتفاع إلى 12.5% عام 2021 بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وستبلغ أعلى معدلاتها في فلسطين (31%) وليبيا (22%). أما في تونس والأردن، فستزيد نسبة البطالة عن 21%. وستسجل دول مجلس التعاون الخليجي معدلات بطالة بنحو 5.8%. كما من المتوقع أن تزيد صادرات المنطقة بمقدار 10.4% في عام 2021، بعد أن كانت قد انخفضت بمقدار 50% في العام 2019.
ولا شك أن انعدام فرص العمل يعني ضرورة الانتقال إلى بدائل مختلفة تستهدف سوقًا آخر-ربما أكبر من السوق المحلية في حالة العمل الحر عن بعد، والتوجه لسوق أكبر يعني وجود فرص عمل أكبر ومن ثم إمكانية الحصول على عائد أفضل.
لذا يجب النظر إلى العمل الحر بوصفه مخرجا استراتيجيا من أزمات الاقتصاد، لكن الأمر أكثر عمقًا، فالعمل الحر ينطوي على مكاسب لا يمكن مقارنتها بالمكاسب الوظيفية الروتينية التي تكاد لا تُذكر تقريبًا. فالمسألة ليست أن تكون “رئيس نفسك”، ولا أن تحصل على دخل أعلى بكثير مما كنت تحصل عليه في الوظيفة العادية، لكننا إزاء نظام اقتصادي جديد تمامًا يمكنه، في حال غُرست ثقافة العمل الحر عن حق في عقول الأجيال الشابة، أن يغير من شروط حياتنا الاجتماعية والاقتصادية على حد سواء.
تعليق واحد