فاطمة العدلاني
لا يُنكر أحد مدى أهمية وجود الأخوة بين بني البشر، فأي بني بشر هو أخوك في الإنسانية، وإن كنتما على الإسلام فهو أخوك في الاسلام، والأخوة ليست كلمة تُقال فقط بل أفعالا ومواقف وذكريات وعُمر يشمل ويضم كل من يعي معنى ما يقصده من يدّعي الأخوة.
أولاً: الأخوة في حد ذاتها كما ذكرنا تشمل الأخوة في الإنسانيه والأخوة في الإسلام، وكل من تخصصوا في اشتراك لشيء هو في المُجمل خير يذكران أُخوتهما تلك، حتى نصل بالعام المطلق إلى الأخوة في الله وهي المحبة المطلقة غير مقيدة بسبب كاشتراك في الدم أو الانسانية أو الاسلام.
ومجرد ذِكر كلمة أخ أو أُخت لشخص ما فَيُراد بها في الغالب إظهار الود وإيصاله لقلب المتحدث إليه لِما في معنى الأخوة من بعث الطمأنينه وقت الرهبة ووصول السكينة وقت الذعر وحصول الأمان وقت الخوف.
ولمّا تّرقى منصب الأخوه الحقيقي للدم بين البشر كما شاء الله أن يشرع بخلقه أصبح الميثاق أغلظ وأعنف لا ينفك عن الإنسان طيلة حياته ولا بعد مماته، ففلان أخو فلان وهما الاثنان إبنان لفلان “أباهما” حيًا أو ميتًا وهو رِباط متين لا يقل قوة عن رِباط صلة الإنسان بأمه التي وُلد من بطنها ولا يتزحزح حرفا عن وثيقة رباطه بأبوه الذي من صلبه. ودائما ما يكون الأخ والأب في مركز وثيق للبنت لا ينفك عنهما لقب السند.
فالأخ للأخت السند وأما الأخ للأخ فهو العزوة كما يقولون بالعامية.
ونذكر ما قال سيدنا موسي عليه السلام “كَليمُ الله” حين كان يدعوا ربهُ مناجيا إياه ويطلب منه المؤازره طلب أن يشد عضده بأخيه هارون عليه السلام.
فقال: “هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) ”
فالأخ مُعين على الحق يشد أزر أخيه وينير له الطريق، ويفصح له عن النور، ويرشده إلى طريق الهداية فحين طلب سيدنا موسى من الله مؤازرة أخاه هارون عليه السلام برر ذلك ليعينه على الحق وعلى ذكر الله.
وفي موضع آخر يقول الله عز وجل حين أراد أن يُطَمئِن قلب موسي عليه السلام في سورة القصص “سنشد عضدك بأخيك” ومعناها سنقوي أمرك، ونعز جانبك بأخيك.
ولما شعر بالرهبة من فرعون وجبروته وحاشيته وهو مكلف بأمر من الله أن يدعوه للحق فقيل:
“فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)”
هو أعلى بالحق وبإعلاء كلمة الله ولكن ما بث بقلبه الطمأنينه والسكينة إلا استجابة الله لدعائه حين طلب مؤازرة أخوه هارون..
ويذكر بعض السلف في قصة سيدنا يوسف وأخوه هارون
أنه ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون، عليهما السلام، فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملائه فهل بعد هذا الفضل من فضل!
وأما عن قصة سيدنا موسى عليه السلام في المهد فلها أيضا تدخل أخوي حين قامت أُمُ سيدنا موسي برميه في اليَم وكاد قلبها أن ينفطر فأخبرت أخته: “وَقَالَتْ لأخْتِهِ قُصِّيهِ” اي اتبعي أثره واقتفي خُطاه يقول: بصرت به وهي محاذيته لم تأته حتى تربصت الفرصة التي أعاد الله بها موسى عليه السلام لأمه كما وعدها والله لا يُخلف الميعاد.
– ولو ذكرنا من قصص الأثر والأنبياء عن الأخ والأخت وعظيم أثرهما وانفطار قلبهما سواء الأخ للأخ أو الأخ للأخت أو الأخت للأخت والله لن ننتهي حتى أبد الدهر .
ومهما تعددت مفاهيم الحاضر وتبدلت وأصبحت الأخوة ليست كما تنبغي أن تكون، وكما عظّمها الله في الكتب السماوية وذكرها وشدّد عليها فتلك الحالات استثنائيه لا نقيس عليها وعلى كل راع مسئول عن رعيته بث المبادئ السليمة، وزرع القيم الأصيلة التي لا تنفك عن الحق، حتى ينشأ جيلا مُدركا من هو ابن دمه.