رسالة سياسية مصوّرة من الرياض.. ماذا تعني صورة البرهان مع ولي العهد السعودي؟
الترند العربي – متابعات
في توقيت إقليمي بالغ الحساسية، نشر رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول عبدالفتاح البرهان صورة تجمعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارة رسمية إلى العاصمة الرياض، مرفقًا إياها بعبارة لافتة: «شكرًا أخي الكريم، ابن الأكرمين»، وهي جملة قصيرة في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها رسائل سياسية ودبلوماسية متعددة الاتجاهات، تتجاوز المجاملة البروتوكولية إلى ما هو أعمق في سياق العلاقات الثنائية، ومسار الأزمة السودانية، ودور المملكة في الإقليم.
الصورة التي انتشرت سريعًا عبر منصات التواصل الاجتماعي، وخصوصًا منصة «إكس»، جاءت في لحظة يشهد فيها السودان واحدة من أعقد مراحله السياسية والأمنية منذ عقود، بينما تتحرك السعودية بثبات كفاعل محوري في ملفات المنطقة، من اليمن إلى غزة، ومن السودان إلى القرن الإفريقي، ما جعل هذا اللقاء محط قراءة دقيقة من المراقبين والمحللين.
الزيارة في سياقها الإقليمي والدولي
زيارة البرهان إلى المملكة العربية السعودية ليست زيارة عادية في توقيتها ولا في دلالاتها، إذ تأتي في ظل استمرار الصراع المسلح داخل السودان، وتعثر المسارات السياسية، وتفاقم الأزمة الإنسانية، مع ازدياد الضغوط الدولية والإقليمية لإيجاد مخرج سياسي يوقف نزيف الدم ويحافظ على وحدة الدولة السودانية.
السعودية، التي استضافت خلال الأشهر الماضية جولات تفاوض متعددة بشأن السودان، تُعد أحد أبرز الأطراف التي تحظى بثقة نسبية من مختلف الفاعلين السودانيين، كما أنها لاعب رئيسي في أي معادلة إقليمية تتعلق بأمن البحر الأحمر واستقرار القرن الإفريقي، وهو ما يمنح زيارة البرهان بعدًا يتجاوز العلاقات الثنائية التقليدية.

لغة الصورة… حين تتحدث الرموز بدل البيانات
اختيار البرهان نشر الصورة بنفسه، واستخدام تعبير «ابن الأكرمين» في وصف ولي العهد السعودي، يعكس إدراكًا واعيًا لأهمية الرمزية في السياسة المعاصرة، حيث باتت الصورة أداة دبلوماسية لا تقل تأثيرًا عن البيان الرسمي.
العبارة تحمل شحنة عاطفية إيجابية، وتُظهر امتنانًا شخصيًا، لكنها في الوقت ذاته رسالة سياسية موجهة للداخل السوداني وللخارج الإقليمي والدولي، مفادها أن القيادة السودانية الانتقالية ما زالت تحظى بقنوات تواصل مفتوحة مع العواصم المؤثرة، وعلى رأسها الرياض.
السعودية ودورها في الملف السوداني
منذ اندلاع الأزمة السودانية، تبنّت المملكة العربية السعودية خطابًا ثابتًا يقوم على دعم وحدة السودان، ورفض الحلول العسكرية، والدعوة إلى الحوار ووقف إطلاق النار، إلى جانب تقديم مساعدات إنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، والمشاركة في جهود الوساطة السياسية بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية.
اللقاء بين ولي العهد السعودي والبرهان، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية، تناول مستجدات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار، وهي صيغة دبلوماسية معتادة، لكنها تعكس استمرار انخراط الرياض في الملف، وعدم تخليها عن دورها كوسيط مؤثر.
ما الذي تريده الخرطوم من الرياض؟
بالنسبة للقيادة السودانية، تمثل السعودية شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الإنساني. فالخرطوم تحتاج إلى دعم سياسي إقليمي يخفف من عزلتها، ويمنحها مساحة حركة في مواجهة الضغوط الدولية، كما تحتاج إلى دعم اقتصادي في ظل انهيار البنية التحتية، وتراجع العملة، واتساع رقعة الفقر والنزوح.
زيارة البرهان، والصورة التي نشرها، يمكن قراءتها كمحاولة لإعادة تثبيت موقع السودان ضمن الخارطة الإقليمية، والتأكيد على أن الرياض ما زالت بوابة أساسية لأي حل سياسي مستقبلي.
رسائل موجهة للداخل السوداني
داخليًا، تحمل الزيارة دلالة مهمة، إذ يسعى البرهان إلى إظهار أن القيادة الانتقالية ما زالت قادرة على التواصل مع القوى الإقليمية الكبرى، في وقت تتعرض فيه لانتقادات واسعة من أطراف سياسية ومدنية سودانية، تتهمها بإطالة أمد الصراع وعدم تقديم حلول سياسية ناجعة.
الصورة مع ولي العهد السعودي، بما يحمله من ثقل سياسي وشعبية إقليمية، تُستخدم هنا كأداة لرفع الرصيد الرمزي للقيادة الانتقالية، وإيصال رسالة مفادها أن البرهان ليس معزولًا كما يصوّره خصومه.

البعد الإنساني والأمني في اللقاء
إلى جانب البعد السياسي، لا يمكن فصل اللقاء عن الأبعاد الإنسانية والأمنية للأزمة السودانية، خاصة في ظل التقارير الدولية التي تتحدث عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، مع ملايين النازحين، وانهيار الخدمات الأساسية، وانتشار المجاعة والأوبئة في بعض المناطق.
السعودية، التي تربطها بالسودان علاقات تاريخية، تدرك أن استمرار الفوضى هناك ينعكس على أمن البحر الأحمر، وحركة التجارة العالمية، واستقرار المنطقة بأكملها، وهو ما يجعل دعمها لأي مسار يفضي إلى الاستقرار خيارًا استراتيجيًا وليس مجرد موقف أخلاقي.
توقيت محسوب ورسائل متعددة الاتجاهات
توقيت نشر الصورة، قبل نهاية العام، يحمل أيضًا دلالة سياسية، إذ يأتي في مرحلة تشهد تحركات دبلوماسية مكثفة بشأن السودان، سواء في الأمم المتحدة أو عبر مبادرات إقليمية، ما يجعل الرسالة موجهة أيضًا للمجتمع الدولي، بأن الرياض ما زالت لاعبًا رئيسيًا، وأن أي تسوية لا يمكن أن تتجاهل دورها.
هل تمهّد الزيارة لمبادرة جديدة؟
رغم غياب أي إعلان رسمي عن مبادرة جديدة، فإن مراقبين لا يستبعدون أن تكون الزيارة جزءًا من مشاورات أوسع، قد تُفضي إلى تحريك المياه الراكدة في الملف السوداني، سواء عبر إعادة إطلاق مسار تفاوضي، أو عبر تنسيق إقليمي أشمل يضم أطرافًا عربية وإفريقية.
السعودية، بحكم علاقاتها المتوازنة، تمتلك القدرة على جمع أطراف متباعدة، وهو ما يمنح أي تحرك تقوده وزنًا خاصًا في ميزان السياسة الإقليمية.
البرهان بين الشرعية والبحث عن الدعم
من زاوية أخرى، تعكس الزيارة سعي البرهان المستمر إلى تثبيت شرعيته الإقليمية، في ظل الجدل الدائر حول طبيعة المرحلة الانتقالية، ومستقبل الحكم في السودان، ودور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية.
التقاط صورة مع ولي العهد السعودي، ونشرها بهذا الشكل، هو جزء من معركة الرمزية التي باتت تلعب دورًا متزايدًا في السياسة الحديثة، حيث تُستخدم الصورة لبناء سردية سياسية متكاملة.
العلاقات السعودية السودانية.. تاريخ ممتد
العلاقات بين الرياض والخرطوم ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لعقود طويلة، شملت تعاونًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، فضلًا عن الروابط الاجتماعية والثقافية، وهو ما يجعل أي تواصل بين القيادتين محاطًا بحمولة تاريخية لا يمكن تجاهلها.
السعودية كانت دائمًا حاضرة في المحطات المفصلية من تاريخ السودان الحديث، سواء بالدعم أو الوساطة أو الاستثمار، ما يفسر الاهتمام الواسع بكل زيارة أو لقاء على هذا المستوى.
قراءة في عبارة «ابن الأكرمين»
العبارة التي استخدمها البرهان أثارت تفاعلًا واسعًا، ليس فقط لكونها تعبيرًا عن امتنان، بل لأنها تحمل بعدًا ثقافيًا عربيًا يعكس الاحترام والمكانة، وهو ما يعزز الرسالة الإيجابية الموجهة للجمهور العربي، ويكرّس صورة المملكة كحاضنة للعلاقات العربية في لحظات الأزمات.
ما دلالة نشر البرهان صورة مع ولي العهد السعودي؟
تعكس الصورة رسالة سياسية تهدف إلى تأكيد عمق العلاقات السودانية السعودية، وإظهار استمرار التواصل مع الرياض في ظل الأزمة السودانية.
هل تحمل الزيارة بعدًا سياسيًا يتجاوز المجاملة؟
نعم، الزيارة تأتي في سياق مشاورات سياسية إقليمية حول السودان، وتُعد مؤشرًا على استمرار دور السعودية في الملف.
ما موقف السعودية من الأزمة السودانية؟
تدعم السعودية وحدة السودان، ووقف إطلاق النار، والحلول السياسية، وتشارك في جهود الوساطة وتقديم المساعدات الإنسانية.
هل تمهّد الزيارة لمبادرة جديدة؟
لا يوجد إعلان رسمي، لكن التوقيت والسياق يشيران إلى احتمال تحركات دبلوماسية لاحقة.
كيف تُقرأ العبارة التي استخدمها البرهان؟
تحمل العبارة دلالة احترام وتقدير، وتعكس رغبة في توجيه رسالة إيجابية للرأي العام العربي والإقليمي.
خاتمة تحليلية
في المحصلة، لا يمكن النظر إلى صورة البرهان مع ولي العهد السعودي على أنها مجرد لقطة بروتوكولية عابرة، بل هي رسالة سياسية مصوّرة، تختزل في إطار واحد تعقيدات المشهد السوداني، وثقل الدور السعودي، وأهمية الرمزية في زمن الأزمات.
وبينما تتشابك الملفات الإقليمية، تبقى الرياض محطة مركزية لكل من يسعى إلى مخرج سياسي أو دعم استراتيجي، وهو ما يجعل هذه الزيارة، بكل تفاصيلها، جديرة بالتوقف والتحليل.
اقرأ أيضًا: بينها 3 دول عربية.. خريطة الاحتياج الإنساني عالميًا مع دخول 2026



