اتصال مصري–سعودي في توقيت إقليمي بالغ الحساسية… ماذا وراء التنسيق المتقدم بين القاهرة والرياض؟
الترند العربي – متابعات
في توقيت إقليمي شديد التعقيد، جاء الاتصال الهاتفي الذي جمع وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي بنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ليعكس مستوى متقدمًا من التنسيق السياسي بين القاهرة والرياض، في ظل ملفات مشتعلة تتصدرها الحرب في قطاع غزة، والأزمة المتفاقمة في السودان، إلى جانب ترتيبات سياسية واقتصادية أوسع تمس بنية الأمن الإقليمي العربي.
الاتصال، الذي وصفته الخارجية المصرية بأنه يأتي في إطار «التنسيق والتشاور المستمر»، لا يمكن قراءته بوصفه تواصلًا دبلوماسيًا تقليديًا، بل باعتباره حلقة في سلسلة تحركات استراتيجية تعكس إدراكًا مشتركًا من العاصمتين لخطورة المرحلة، وضرورة توحيد المواقف العربية المؤثرة في مواجهة تحولات متسارعة إقليميًا ودوليًا.

العلاقات المصرية السعودية… شراكة تتجاوز المجاملات الدبلوماسية
أكد الوزير بدر عبدالعاطي خلال الاتصال اعتزاز مصر بعمق العلاقات الأخوية والتاريخية التي تجمع البلدين، وهي عبارة قد تبدو مألوفة في البيانات الرسمية، لكنها هذه المرة تأتي محمّلة بدلالات عملية، خصوصًا مع الإشارة الواضحة إلى «الزخم المتنامي على مختلف المستويات».
هذا الزخم لا يقتصر على البعد السياسي، بل يشمل التعاون الاقتصادي، والاستثماري، والأمني، والتنموي، في وقت باتت فيه القاهرة والرياض تشكلان محورًا عربيًا رئيسيًا لإعادة ضبط التوازنات الإقليمية، سواء في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أو أمن البحر الأحمر، أو استقرار الدول العربية المتأزمة.
ويعكس الحديث عن استكمال الترتيبات لعقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى المصري–السعودي، انتقال العلاقات الثنائية من مرحلة التنسيق الظرفي إلى مرحلة مؤسسية طويلة الأمد، تقوم على آليات دائمة لصناعة القرار المشترك.

مجلس التنسيق الأعلى… من التنسيق إلى الشراكة الاستراتيجية
الإشارة إلى قرب انعقاد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى المصري–السعودي تحمل دلالات سياسية مهمة، إذ يعني ذلك وجود إرادة سياسية واضحة لتحويل التقارب الحالي إلى إطار مؤسسي منظم، يسمح بتنسيق السياسات في ملفات حساسة تتجاوز العلاقات الثنائية.
المجلس يُنتظر أن يكون منصة لتوحيد الرؤى بشأن القضايا الإقليمية الكبرى، وعلى رأسها تطورات الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، ومستقبل الأمن في البحر الأحمر، والتحديات المرتبطة بالقرن الأفريقي، فضلًا عن القضايا الاقتصادية المرتبطة بأمن الطاقة وسلاسل الإمداد.
كما يعكس المجلس إدراكًا متبادلًا بأن التحديات الراهنة لا يمكن التعامل معها بسياسات رد الفعل، بل تحتاج إلى تخطيط استراتيجي طويل المدى، تشارك فيه المؤسسات المختلفة في البلدين.

غزة في صدارة المشهد… تنسيق سياسي أم محاولة احتواء انفجار أكبر؟
الملف الأبرز في الاتصال كان تطورات الأوضاع في قطاع غزة، حيث شدد الوزير بدر عبدالعاطي على أهمية ضمان استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، إضافة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2803.
هذه النقاط تعكس رؤية مصرية تقوم على الانتقال من إدارة الأزمة إلى تثبيت تهدئة قابلة للحياة، تمنع الانزلاق إلى جولة جديدة من العنف، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع الإنساني في القطاع.
كما أن التأكيد على استدامة وقف إطلاق النار يعكس قلقًا مصريًا–سعوديًا مشتركًا من أن أي انهيار للتهدئة قد يؤدي إلى تداعيات إقليمية أوسع، تشمل تصعيدًا على جبهات أخرى، أو موجات نزوح جديدة، أو توترات تهدد أمن البحر الأحمر والممرات الدولية.

القوة الدولية المؤقتة… عودة فكرة قديمة بثوب جديد
من بين أبرز ما ورد في الاتصال، طرح فكرة نشر قوة استقرار دولية مؤقتة لمراقبة وقف إطلاق النار في غزة، وحماية المدنيين، وتمكين القوات الفلسطينية من تولي مهام إنفاذ القانون داخل القطاع.
هذا الطرح يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الوضع في غزة لا يمكن تركه دون ترتيبات أمنية انتقالية، في ظل غياب أفق سياسي واضح، وانهيار البنية الإدارية والأمنية بفعل الحرب.
كما أن الحديث عن «تمكين القوات الفلسطينية» يشير إلى رفض مصري–سعودي لأي سيناريوهات تستبعد الفلسطينيين من إدارة شؤونهم، أو تفرض حلولًا أمنية أحادية من الخارج، وهو موقف ينسجم مع الرؤية العربية التقليدية القائمة على دعم السلطة الوطنية الفلسطينية كإطار شرعي.
المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار… ما بعد وقف النار
تناول الاتصال أيضًا ضرورة ضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وتهيئة الظروف لبدء التعافي المبكر وإعادة الإعمار في غزة، وهي نقاط تعكس انتقال النقاش من مجرد وقف إطلاق النار إلى ما بعده.
القاهرة والرياض تدركان أن أي تهدئة لا ترافقها خطة إنسانية واقتصادية واضحة، ستظل عرضة للانهيار، في ظل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع، خصوصًا مع تدمير البنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية.
ويُنتظر أن تلعب الدولتان دورًا محوريًا في أي جهود لإعادة الإعمار، سواء عبر الدعم المالي، أو التنسيق مع المؤسسات الدولية، أو الضغط السياسي لضمان عدم ربط الإعمار بشروط سياسية تعمّق الأزمة بدل حلها.
السودان… الملف المنسي الذي يعود إلى الواجهة
إلى جانب غزة، تناول الاتصال تطورات الأوضاع في السودان، حيث أكد الوزيران أهمية مواصلة التنسيق في إطار «الآلية الرباعية» للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.
الاهتمام المصري–السعودي بالسودان ليس جديدًا، لكنه يكتسب أهمية متزايدة في ظل استمرار الصراع، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتهديدها لاستقرار الإقليم بأسره.
وشدد الوزير بدر عبدالعاطي على أهمية توفير ملاذات آمنة وممرات إنسانية آمنة، مؤكدًا موقف مصر الثابت والداعم لوحدة السودان وسيادته واستقراره، والحفاظ على مؤسساته الوطنية.
هذا الموقف يعكس قلقًا مشتركًا من سيناريوهات التفكك أو الانزلاق إلى حرب أهلية طويلة الأمد، قد تتحول إلى بؤرة تهديد إقليمي، سواء عبر تدفقات اللاجئين، أو انتشار السلاح، أو تدخل أطراف خارجية.
لماذا هذا الاتصال الآن؟ قراءة في التوقيت
توقيت الاتصال ليس عابرًا، إذ يأتي في لحظة تشهد فيها المنطقة تقاطع أزمات كبرى، من غزة إلى السودان، مرورًا بتوترات البحر الأحمر، والتغيرات في السياسة الدولية تجاه الشرق الأوسط.
كما يأتي في ظل تحركات دولية لإعادة صياغة ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، ومحاولات فرض مسارات سياسية قد لا تنسجم بالضرورة مع الرؤية العربية، ما يفرض على القاهرة والرياض تعزيز تنسيقهما لضمان حضور عربي فاعل في أي ترتيبات مقبلة.
القاهرة والرياض… محور استقرار أم إدارة أزمات؟
الاتصال يعكس بوضوح أن مصر والسعودية لا تسعيان فقط إلى إدارة الأزمات، بل إلى لعب دور «صمام الأمان» الإقليمي، عبر منع انفجار الصراعات، واحتواء تداعياتها، والدفع نحو حلول سياسية تدريجية.
غير أن هذا الدور يواجه تحديات كبيرة، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي، وتعدد الفاعلين، وتباين المصالح الدولية، ما يجعل نجاحه مرهونًا بمدى قدرة البلدين على حشد دعم عربي ودولي أوسع لرؤيتهما المشتركة.
ما أهمية الاتصال بين وزيري خارجية مصر والسعودية؟
يعكس الاتصال مستوى متقدمًا من التنسيق السياسي بين البلدين في ظل أزمات إقليمية كبرى، ويؤكد دورهما المحوري في إدارة الملفات الحساسة مثل غزة والسودان.
لماذا تركز مصر والسعودية على استدامة وقف إطلاق النار في غزة؟
لأن أي تهدئة مؤقتة دون ترتيبات سياسية وأمنية وإنسانية واضحة ستظل عرضة للانهيار، ما قد يؤدي إلى تصعيد أوسع وتداعيات إقليمية خطيرة.
ما المقصود بالقوة الدولية المؤقتة في غزة؟
هي قوة مقترحة لمراقبة وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، ودعم المرحلة الانتقالية، مع تمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم الأمنية.
ما دور مجلس التنسيق الأعلى المصري–السعودي؟
يهدف إلى تحويل العلاقات الثنائية إلى شراكة مؤسسية طويلة الأمد، تنسق السياسات في القضايا الإقليمية والاقتصادية والأمنية.
لماذا يحظى السودان باهتمام خاص في التنسيق المصري–السعودي؟
لأن استقرار السودان يمثل عنصرًا أساسيًا للأمن الإقليمي، وأي انهيار فيه قد يؤدي إلى تداعيات إنسانية وأمنية تتجاوز حدوده.
اقرأ أيضًا: غزة تغرق تحت الأمطار… فيضانات قاتلة تعمّق المأساة الإنسانية وتودي بحياة 14 شخصًا



