السياحة الداخلية في الدول العربية.. من البديل المؤقت إلى الاتجاه الثابت

السياحة الداخلية في الدول العربية.. من البديل المؤقت إلى الاتجاه الثابت
الترند العربي – خاص
في ظل التحديات الاقتصادية والتغيرات الجيوسياسية، اكتسبت السياحة الداخلية في الدول العربية زخمًا متزايدًا خلال السنوات القليلة الماضية. بعد أن كانت تُعتبر خيارًا مؤقتًا أو بديلًا عند تعذّر السفر الدولي، أصبحت اليوم أحد المحركات الأساسية لاقتصادات العديد من الدول العربية، ومجالًا للاستثمار والتخطيط طويل الأمد.
التحوّل بعد الجائحة: انطلاقة جديدة من الداخل
مثّلت جائحة كورونا في عام 2020 نقطة تحوّل رئيسية في إدراك أهمية السياحة الداخلية. ومع توقف الرحلات الجوية وإغلاق الحدود، اتجه المواطنون والمقيمون في الدول العربية لاكتشاف مناطقهم المحلية، الأمر الذي كشف عن كنوز سياحية غير مستغلة، وفتح المجال أمام رؤية جديدة تعتمد على تنمية الداخل.
وفي السعودية مثلًا، شهد عام 2021 تسجيل أكثر من 64 مليون زيارة داخلية، بزيادة تتجاوز 25% عن العام السابق، بحسب تقارير وزارة السياحة. وفي مصر، ساهمت السياحة المحلية في تعويض نسبة كبيرة من تراجع السياحة الوافدة، خاصة في وجهات مثل الغردقة وشرم الشيخ.
استثمارات حكومية واهتمام متصاعد
استجابت العديد من الحكومات العربية لهذا التحوّل، وبدأت في تطوير بنى تحتية داعمة للسياحة الداخلية، شملت إنشاء منتجعات محلية، وتطوير مواقع تاريخية، وتنظيم فعاليات موسمية.
في الإمارات، تم إطلاق مبادرات مثل “اكتشف الإمارات”، لتشجيع المواطنين والمقيمين على زيارة المعالم الطبيعية والثقافية داخل الدولة. أما السعودية، فأطلقت “مواسم السعودية” التي شملت أكثر من 11 مدينة، واحتضنت فعاليات ثقافية وسياحية وترفيهية كبرى.
وفي الأردن، أعادت الحكومة النظر في سياسة الأسعار للمواقع السياحية لتكون أكثر جاذبية للمواطنين، مما عزز الإقبال المحلي على وجهات مثل البحر الميت والبتراء وجرش.
البعد الاقتصادي: تنشيط للقطاعات المرتبطة
أدى تنامي السياحة الداخلية إلى تنشيط قطاعات حيوية مرتبطة مثل الضيافة، النقل، الأغذية والمشروبات، والحرف اليدوية. كما ساهم في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة في المناطق الريفية والمناطق ذات الجذب الطبيعي أو التراثي.
وفي المغرب، ساعدت المبادرات السياحية المحلية على إنعاش الاقتصاد في مدن مثل أزيلال وشفشاون، بينما شهدت سلطنة عُمان انتعاشًا في الطلب على الإقامات الجبلية والأنشطة البيئية في صلالة والجبل الأخضر.
الثقافة المجتمعية.. وعي جديد يتشكل
واكب هذا التحوّل صعود ثقافة جديدة لدى المواطن العربي، تقوم على استكشاف بلده لا كونه مقيمًا فيه فقط، بل كسائح باحث عن التجربة والثقافة والتنوع.
هذا التغيّر ساهم في زيادة الفخر بالموروث المحلي، وإعادة التقدير لمواقع تاريخية وطبيعية ظلت لسنوات في الظل، كما شجع على توثيق التجارب ومشاركتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما خلق حالة من الترويج المجتمعي غير المباشر.
التوازن بين التطوير والحفاظ على البيئة
رغم الإيجابيات، لا تزال بعض التحديات قائمة، من بينها الحاجة إلى الحفاظ على التوازن بين التنمية السياحية وحماية البيئة، خاصة في المواقع الطبيعية الهشة. كما تواجه بعض الدول العربية تحديات في تأهيل الكوادر المحلية، وتوفير خدمات سياحية بمستوى عالمي في بعض الوجهات الجديدة.
من خيار ثانوي إلى ركيزة وطنية
لم تعد السياحة الداخلية في العالم العربي خيارًا ظرفيًا، بل أصبحت توجهًا مستقرًا مدعومًا برؤية اقتصادية وثقافية واضحة. المستقبل يحمل مزيدًا من الفرص لتطوير هذا القطاع، إذا ما توافرت استراتيجيات متكاملة تُراعي الاستدامة، وتعزز الشراكة بين الدولة والمجتمع.
لمزيد من المقالات حول السياحة