تأثير المحتوى المرئي القصير على الثقافة العربية.. من التعليم إلى الترفيه

تأثير المحتوى المرئي القصير على الثقافة العربية.. من التعليم إلى الترفيه
الترند العربي – متابعات
في السنوات الأخيرة، شهد العالم العربي طفرة ملحوظة في استهلاك المحتوى المرئي القصير، خاصة عبر منصات مثل “تيك توك”، “ريلز” على إنستغرام، و”يوتيوب شورتس”. لم تعد هذه المقاطع مقتصرة على الترفيه أو المقاطع الكوميدية، بل امتدت لتشمل مجالات التعليم، الثقافة، والدين، مما يطرح تساؤلات جادة حول أثرها في تشكيل الذوق العام والثقافة السائدة لدى الأفراد، خصوصًا فئة الشباب.
التحول في نمط الاستهلاك الرقمي
وفقًا لتقارير صادرة عن شركة “أوميديا” و”ستاتيستا”، فإن أكثر من 75% من المستخدمين العرب للفئة العمرية بين 16 و34 عامًا يفضّلون المحتوى المرئي القصير مقارنة بالمحتوى الطويل. وهذا التفضيل لا يرتبط فقط بالترفيه، بل يتعداه إلى متابعة الأخبار والمحتوى التعليمي والديني، مما يعكس تحوّلًا جوهريًا في سلوك المستهلك العربي.
الدراسات تشير إلى أن متوسط وقت مشاهدة الفرد العربي اليومي لمقاطع الفيديو القصيرة يتجاوز ساعة ونصف في بعض الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات، وهو ما يتقارب مع المعدل العالمي.
الترفيه السريع وتأثيره على الذوق العام
غالبية المحتوى القصير المنتشر في العالم العربي يدور حول التحديات، الرقصات، المقالب، ومقاطع الكوميديا اليومية. ورغم أن هذه النوعية تسهم في الترويح عن النفس، إلا أن عددًا من الباحثين في مجال الإعلام يرون أنها تساهم أيضًا في تكريس “ثقافة الاستهلاك السريع”، حيث يصبح المتلقي أقل صبرًا على مشاهدة محتوى طويل أو عميق.
كما يشير خبراء إلى أن بعض النماذج المنتشرة في هذا المحتوى، خصوصًا تلك التي تقوم على “الترندات السريعة”، تفرض أنماطًا من السلوك واللغة قد لا تكون متماشية مع القيم الثقافية أو الدينية المحلية.
التعليم بالمحتوى القصير.. واقع يتبلور
ورغم الانتقادات، فإن هناك جانبًا مشرقًا في هذا التحوّل. فقد بدأ عدد كبير من المعلمين والمبادرات التعليمية في العالم العربي بالاعتماد على المقاطع القصيرة لتقديم شروحات مبسّطة وسريعة لمفاهيم دراسية، خاصة في المواد العلمية واللغوية.
في السعودية، على سبيل المثال، تم إطلاق العديد من الحسابات التعليمية على “تيك توك” موجهة للمرحلة الثانوية، ويشرف عليها معلمون معتمدون. كما بدأت مبادرات أكاديمية في الإمارات ومصر بالترويج لفيديوهات تعليمية قصيرة ضمن حملات التوعية.
وتشير أبحاث تربوية إلى أن الطلاب يستوعبون المعلومات بشكل أفضل عند تقديمها في مقاطع زمنية لا تتجاوز 60 ثانية، بشرط أن تكون مصممة بطريقة مركزة وتفاعلية.
المحتوى الديني والدعوي.. بين الانتشار والاختزال
من أكثر أنواع المحتوى التي استفادت من الانتشار الواسع للفيديوهات القصيرة هو المحتوى الديني. آلاف المقاطع تنشر يوميًا لعلماء ودعاة يقدّمون فيها فتاوى أو رسائل توعوية، وقد لاقت رواجًا كبيرًا بين فئة الشباب.
لكن هذا النوع من المحتوى يواجه أيضًا انتقادات، إذ يرى البعض أن الاختزال المفرط قد يخلق فهماً سطحياً للدين، ويؤدي إلى اجتزاء النصوص أو الأحكام الشرعية بشكل قد يؤدي إلى التباس أو فهم خاطئ.
التأثير على اللغة والمفردات
أحد أبرز التحولات التي رصدها اللغويون نتيجة انتشار المحتوى القصير، هو التغير في استخدام اللغة، خاصة بين المراهقين. فقد باتت مفردات “الترند”، والمصطلحات الدارجة عالميًا (مثل: POV، ترند، فلوق، كراش) جزءًا من الخطاب اليومي لدى كثير من الشباب، على حساب الفصحى أو حتى اللهجات المحلية الأصيلة.
وفي عدد من التقارير التربوية، أبدى معلمون في دول مثل المغرب والأردن قلقهم من استخدام الطلاب لمفردات غير مفهومة داخل الفصول، مستمدة من محتويات قصيرة يتابعونها على المنصات.
تأثير مزدوج.. والمسؤولية مشتركة
المحتوى المرئي القصير فرض نفسه بقوة على الساحة الثقافية والإعلامية العربية. ورغم أنه يحمل فرصًا كبيرة في التثقيف والتوعية، إلا أنه يحمل في طياته أيضًا مخاطر حقيقية على جودة التفكير، واللغة، والمفاهيم الثقافية.
التحدي القائم اليوم لا يتمثل في مقاومة هذا النوع من المحتوى، بل في توجيهه وتطويره ليكون أداة فعالة في دعم القيم المجتمعية والتعليمية، وتحقيق التوازن بين سرعة العرض وعمق المضمون. وهنا، تقع المسؤولية على صناع المحتوى، المؤسسات التعليمية، والجهات التنظيمية، لصياغة مستقبل رقمي يليق بالثقافة العربية ويواكب تحوّلات العصر.
لمزيد من المقالات حول قضايا العالم العربي