
في ذكرى رحيله.. “إسماعيل ياسين” نام في المساجد وشجّع “الزمالك” وأضحك الملايين
الترند العربي – متابعات
تحل اليوم، 24 مايو، ذكرى رحيل نجم الكوميديا الخالد إسماعيل ياسين، الذي غادر عالمنا في عام 1972، بعد مسيرة استثنائية أهدى فيها البهجة لأجيال متعاقبة، وترك إرثًا فنيًا متنوعًا ما بين السينما والمسرح والإذاعة لا يزال حاضرًا بقوة في ذاكرة الجمهور. وفي هذه المناسبة، لا نستعيد فقط الضحكات التي أطلقها من أفواهنا، بل نتأمل في الجانب الإنساني العميق لمسيرته، المليء بالتحديات والمواقف النبيلة التي قلّما يعرفها الجمهور.
البداية من السويس.. بـ6 جنيهات وأحلام أكبر من العمر
غادر إسماعيل ياسين مسقط رأسه في مدينة السويس وهو لا يملك سوى 6 جنيهات استدانها من جدته، آملًا أن يجد لنفسه مكانًا في القاهرة كمطرب، بعد أن أثنى البعض على صوته. حلمه كان الالتحاق بمعهد الموسيقى، لكنه فوجئ عند وصوله بأن المعهد مغلق بسبب الإجازة الصيفية، لتبدأ رحلته مع المعاناة.
أقارب تنكروا له ومبيت في المساجد
توجّه إسماعيل ياسين إلى أقاربه في القاهرة، لكنه قوبل منهم بالرفض والسخرية، واعتُبر حلمه بالتمثيل عارًا لا يستحق المساعدة. بلا مأوى ولا مال، لجأ إلى مسجد السيدة زينب، حيث قضى ليالٍ طويلة في الشوارع والمساجد، يعاني من الجوع والبرد والنبذ، حتى اعتاد الناس رؤيته بلحيته الطويلة وملابسه الرثة.
في أحد الأيام، اتُّهم زورًا بسرقة طقم شاي أثناء نومه بجوار أحد المساجد، لكن شيخ الجامع أنقذه من الموقف، واصطحبه إلى منزله، وقدم له الطعام وغسل ملابسه ومنحه 35 قرشًا ليعود إلى السويس. كانت تلك لحظة فارقة في حياة إسماعيل ياسين، أعادته إلى نقطة الصفر، لكنه لم يستسلم.
عبد الوهاب رفضه مطربًا.. والكوميديا احتضنته بالضحك
حاول إسماعيل أن يحقق حلمه بالغناء، وتقدم ذات يوم للموسيقار محمد عبد الوهاب، لكن الأخير قال له ساخرًا: “صوتك مش نافع.. بس ضحكتني”، ليكون هذا التعليق بوابة دخوله إلى عالم الكوميديا، ويبدأ من هناك رحلته نحو القلوب.
ما ميّز إسماعيل ياسين عن غيره، هو قدرته على السخرية من نفسه دون ابتذال، وتقديم الضحك بنَفَس إنساني رفيع، يلامس جميع الطبقات. لم يعتمد على الإهانة أو التهكم، بل على التلقائية والصدق والبساطة، ولهذا ظل محبوبًا من الكبار والصغار.
رغم النجومية الساحقة، عاش إسماعيل ياسين آخر سنواته في عزلة وضائقة مالية شديدة، بعد أن تراجعت عنه الأضواء، وتراكمت عليه الديون. رحل في صمت يوم 24 مايو 1972 عن عمر 59 عامًا، لكنه لم يُنسَ، بل عاد بعد رحيله أسطورة فنية تزداد مكانتها بمرور الزمن.
عاشق الزمالك المتعصب.. والفن الأبيض في قلبه
ورغم طبيعته الهادئة، إلا أن إسماعيل ياسين كان يتحوّل إلى شخص آخر خلال مباريات الزمالك، الفريق الذي عشقه بجنون. حسب ما روت حفيدته، كان يتحول منزله إلى ما يشبه حظر التجول أثناء المباريات، وكان يرتعش من التوتر حتى صافرة النهاية.
وقد أكد نجل السيناريست أبو السعود الإبياري أن تشجيع الفريق الأبيض كان يؤثر على مزاج إسماعيل بشدة، لدرجة أن فوز الزمالك كان يعني يومًا سعيدًا في مواقع التصوير، وخسارته تُفسد الأجواء بالكامل.
كانت علاقته قوية بلاعبي الزمالك في الأربعينيات والخمسينيات، وعلى رأسهم نبيل نصير، الذي ألهمه لتقديم مسرحية كاملة بعنوان “الكرة مع بلبل”، كتبها أبو السعود الإبياري، وظهر فيها إسماعيل بشخصية تشبه نصير في تصرفاته وطباعه.
ختامًا.. ضحك وبكاء في آنٍ واحد
إسماعيل ياسين لم يكن مجرد فنان، بل إنسان انتصر على الفقر والخذلان، وواجه الحياة الصعبة بابتسامة لا تنكسر. ضحّك الملايين ومات حزينًا، لكنه لم يغب عن القلوب، وظلت أفلامه ومسرحياته نبضًا حيًا في ذاكرة العرب.
وفي ذكراه اليوم، لا نملك إلا أن نضحك معه مجددًا، ونترحم على روح صنعت السعادة في زمنٍ كان لا يضحك كثيرًا.